أظهرت الكثير من الدراسات أسباب، وأهداف التنظيمات الإرهابية من تجنيد مزيد من الأطفال الصغار في صفوفها، ومن أهم هذه الأهداف:
يمكن تقسيم الأطفال المجندين من قبل داعش إلى فئات مختلفة:
بعيداً عما تقدمه داعش من دعايات حول الأطفال الأجانب أوالمحليين المشاركين في تدريباتها العسكرية، أوالتعليمية، إلا أنه من الصعب التأكد من توزيع أدوارهم داخل التنظيم.
لدراسة الصورة الذهنية التي يحاول تنظيم داعش ترسيخها، قام المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) برصد وتحليل 100 إصدار مرئي صادرعن خمسة ولايات للتنظيم هي: الرقة، الخير، البركة، الجزيرة، والفرات، خلال الفترة من 2014 الى 2017، تبين منها أن هدف التنظيم الرئيس هو الإيحاء بأن "هؤلاء هم أجيال التنظيم القادمة".
أما فيما يتعلق بأدوار الأطفال في مقاطع الفيديو، أوالإصدارات المختلفة محل الدراسة، فتنوعت مابين:
- إقامة حد
- حمل سلاح
- تدريبات عسكرية
- نشر خطابات تحريضية على ألسنتهم
وتبين أن 38 % من محتوى الإصدارات ضم مشاهد أطفال ( 167 مشهد)، 30% منها كانت عنيفة ( 50 مشهد)، 9 مشاهد إقامة حد،6 مشاهد حمل سلاح، 20 مشهداً لتدريبات عسكرية، 15 مشهداً خطاباً تحريضياً.
وقد بينت كثير من الدراسات حول الأطفال والمراهقين في دعاية داعش من 2015 إلى 2016، وجود ارتفاع كبير في وتيرة حشد أوتجنيد القُصّر في صفوف عناصر التنظيم المسلحة، وتضاعف عدد العمليات الإنتحارية الموثقة التي نفذها أطفال، ثلاث مرات خلال فترة الدراسة.
وأرجعت الدراسة هذا الإرتفاع إلى زيادة الضغوط الأمنية الشديدة على داعش، ومحاولة التنظيم مواجهة هذه الضغوط عسكرياً، والتكيف معها تكتيكياً، بغرض التأثير على الحالة المعنوية للقوات التي تواجهها.
من ناحية أخرى، فإن داعش ليست مجرد مجموعة إرهابية تقليدية بل تنظيم شديد التطرف لديه طموحات جيوسياسية، يتطلب تحقيقها توافر مدنيين وجنود خائفين أوملتزمين "إن طموحات داعش تنعكس في صرختها القتالية (باقية وتتمدد)، تتجاوز في مفهومها السيطرة الإقليمية، أوالسلطة السياسية، إلى مفهوم آخر هو هندسة مجتمع جديد مع أعراف اجتماعية وثقافية متطرفة، من أجل ضمان استقراره المستقبلي، لذلك فإن داعش لا يرى الأطفال كمدفع مستهلك بل (استثمار) لمستقبل التنظيم، لذلك يتم تسجيل (الأشبال) في الدورات الدينية واللغوية والأكاديمية، لضمان التغيير السلوكي الدائم، والإلتزام مدى الحياة بالمجموعة، وهذا العنصر الأيديولوجي هو الذي يميز ما بين التلقين الإرهابي للأطفال، والتجنيد التقليدي للقصر، عبر أدوار عسكرية بحتة.
على الرغم من أن العديد من الأطفال تم تجنيدهم "طواعية"، وتفاعلوا في البداية مع داعش بشكل مستقل عن والديهم وأولياء أمورهم، إلا أن الأسرة تظل من أهم العوامل المؤثرة في سلوكيات الأطفال، حيث تقدم وتعزز الأفكار المتطرفة لديهم، أو العكس.
إن الروابط العائلية إذا اجتمعت مع أيديولوجية متطرفة، فإنها تزيد في إغراء المُجند المُستهدف، لذلك من المهم اعتبار أن "البحث عن الدوافع الفردية قد لا يكون مفيدًا دائمًا في تفسير سبب تورّط الأشخاص في الإرهاب، لأن الدوافع قد لا تكون موجودة مع العناصر الفردية نفسها، بل في الوسط المتطرف الصغير الذي ينحدرون منه".
وبالمثل، بمجرد أن يلتزم العديد من الأعضاء في وحدة الأسرة بأفكار التنظيم، يصبح رفض هذه الأفكار المشتركة وإبعادها أكثر صعوبة.
من منطلق أن "الإنشقاق عن المجموعة ينطوي على خيانة مزدوجة - خيانة القضية وخيانة عائلة واحدة -" فإن الأطفال الذين ولدوا أو نشأوا وسط العائلات المتطرفة لا سيما داخل أراض تسيطر عليها داعش، عُرضة للضغوط وتتبع الأقارب كقدوة، ولا ينحرفون عن وجهة نظر الوحدة العائلية أو يخونونها.
إن "تطبيع" تربية الأطفال داخل المحيط المتطرف يتم في إطار ما يسمى بـ" نظام داعش التعليمي"، الذي يعزز من سلطة المعلمين على طلابهم، حيث أن الأطفال أكثر عرضة للتأثر بوجهات النظر الداخلية للمعلمين، دون تحليل نقدي للمعلومات.
لقد خنق مناخ الخوف في ظل سيطرة داعش قدرة واستعداد المواطنين في التعبير عن معارضتهم لأفعال التنظيم وأيديولوجيته، وخاصة في حالة المدرسين، ولضمان تعليم الأطفال فقط للمناهج الصارمة التي تخدم التنظيم، خضع المدرسون لـ "إعادة تدريب" واسعة النطاق من قبل التنظيم، وواجهوا تهديدات مباشرة بالقتل لرفضهم الإلتزام بلوائحه الصارمة.
يواجه الأطفال في مناطق سيطرة داعش حالات من عدم معرفة جنسياتهم، بسبب فقدان أوراقهم الرسمية، والغياب المحتمل للآباء الذين يُحتجزون أو يُقتلون في المعارك.
وتعد عملية البحث والدراسة لإيجاد حلول في قضية جنسيات أطفال داعش، أمر بالغ الأهمية لمنع تطرف هؤلاء الأطفال أوالمراهقين، حيث تعد عملية العزلة والإحباط الذي يعاني منه الأطفال بلا جنسية نتيجة عدم وصولهم إلى الرعاية الصحية والتعليم والعمل، أحد الدوافع الرئيسة لإنتشار التطرف بين القُصّر.
إن انعدام الجنسية، بالإضافة إلى استراتيجية داعش في عمليات التلقين وبناء هوية متطرفة منذ الولادة، تؤديان إلى جعل داعش هي المرجعية الوحيدة للطفل من أجل التعرف على ذاته.
في أواخر 2014، أصدرت داعش دليلاً بعنوان "دور الأخت في الجهاد"، كما أصدرت تعليمات إلى النساء حول كيفية إدارة الجهاد داخل وخارج ساحة المعركة. وفيها، يتم تشجيع أمهات الأطفال في داعش على:
تربية الأبناء على القتل وإعدادهم من حيث القدرة الجسدية والتدريب، ولايقتصر ذالك فقط على الذكور فقط، بل على الإناث أيضاً.
تتضمن التعليمات العملية للتنظيم تهيأة الأطفال عبر وسائل عدة منها سرد قصص ما قبل النوم لإرهابيين معروفين، ومنعهم من مشاهدة تلفزيون "الكفار"، وتعريضهم لدعاية داعش بشكل مباشر، وإخضاعهم لنظام تدريب جسدي محدد، وأنشطة مناسبة لأعمارهم.
الجدول الزمني لهذا التعليم واضح في تعليمات للتنظيم من بينها" البدء في غرس قيم التنظيم في نفوس الأطفال، وعدم الإنتظار للبدأ من عمر سبع سنوات لأن الوقت آنذاك قد يكون متأخراً".
إن إتباع مثل هذه التعليمات تهدف إلى عزل الأطفال عن الخطابات المضادة لدعوات التنظيم من عُمر مُبكر، وإشراك عناصره من الآباء أوالمدرسين بنشاط مؤثر في تعليم وتلقين أطفال داعش، وتعزيز سلطة الأمهات في إخضاع أطفالهن للتعليم وفق أساليب التنظيم، مع تشجيع النساء على الهروب إلى مناطق سيطرة التنظيم مع أبنائهن، والإستمرار في إنجاب "الأطفال المقاتلين" داخل داعش.
تسعى داعش إلى تعزيز حضورها عبر مزاعم وممارسات حوكمة تدفع جميعها في اتجاه اعتبارها دولة وليس تنظيماً متطرفاً.
وفي هذا السياق عانت القطاعات كافة في أماكن سيطرتها من تأخر وتراجع كبير في مؤشراتها، من أهمها التعليم الذي تضرر بشكل خاص في سوريا والعراق، حيث أغلقت نتيجة الصراع الدائر في سوريا على سبيل المثال أكثر من ربع المدارس في الدولة، ما أدى إلى ارتفاع معدل الأمية بها بنحو 2.8 مليون طفل محروم من التعليم.
كما أدى تدمير المباني المدرسية، ونقص عدد المعلمين، وارتفاع عدد الأطفال اللاجئين أو النازحين الذين لايحملون وثائق، والأعباء المالية المتزايدة، إلى أن تصبح سوريا واحدة من الدول التي تعاني أدنى معدلات الإلتحاق بالتعليم في العالم.
ونتيجة لذلك، يفقتر الأطفال في سوريا والعراق، إلى وجود بنية اجتماعية داعمة، وهو ما استغلته داعش.
في سبتمبر 2013، نشرت وكالة "الفرقان ميديا" التابعة لداعش المشروع التعليمي للجماعة ضمن سلسلة بعنوان (أرض المعارك)، وبه صوراً لـ 50 طفلاً يرتدون عصابة رأس داعش، ويحضرون أحد دروس التنظيم.
وفي مايو 2017 تباهى التنظيم في منصته "النبأ" بمزاعمه حول انتشار برنامجه التعليمي، مع الإدعاء بقيامه بتعليم 100 ألف و 423 طالب وطالبة في ألف و 350 مدرسة ابتدائية يسيطر عليها.
روّج التنظيم لنفسه كمحافظ شرعي ومسؤول يوفر خدمات مجانية تلبي احتياجات ورغبات من هم في أماكن سيطرته.
حوّل نظيم داعش المدارس إلى ساحات تجنيد، وتلقين الأطفال مباشرة من خلال محتوى متطرف، أوتطبيقات مخصصة له.
قدم داعش تعليمًا دينيًا متطرفًا إجباريًا، وألغى المواد التي تتطلب الإبداع أو مهارات الحكم النقدي، وحول الفصول إلى قاعات مخصصة لتقديم المواعظ والخطب بدلاً من الدروس.
حوّل داعش النظام التربوي إلى نظام للتلقين الجماعي، مُستغلاً الفراغ التعليمي كنتيجة للصراع وعدم الإستقرار، وحث ذوي الأطفال على إلحاق ذويهم بالمدارس التي أعيد فتحها بإشرافه.
وتشير تقارير إلى تعمد التنظيم القيام بالآتي:
-
تحميل المدرسين نقودًا لطباعة ما يزعم أنه "مواداً التعليمية ".
-
تهديد كل من يرفض تعليم محتوى التنظيم.
-
فرض إرهابيين غير متعلمين كمعلمين.
لضمان تجنيد طويل المدى للأطفال قامت داعش بتغيير وسائلها في هذا الجانب، وهو ما يشير إليه الباحث في جامعة كاليفورنا الأميركية بيتر سينغر، في دراسته الصادرة في 2016 تحت عنوان(الأطفال في الحرب)، والتي وثًق فيها وعلى نطاق واسع مراحل عسكرة الأطفال والدفع بهم في النزاعات المسلحة، موضحاً أنها تمر بثلاث مراحل رئيسة هي:
- الإنتقاء
- التحضير الذهني (التلقين)
- العمل، وفق عملية تدريجية للتعلم الرسمي أوغير الرسمي.
رؤية سينغر، قوبلت بآراء بحثية أخرى أوضحت أن تجنيد الأطفال تمر عبر ستة مراحل هي:
1_ الإغراء (التعرض الأولي للأفكار).
2_ التعليم (الروتين والتعرض المباشر والتلقين المكثف).
3- الإختيار (الإستمالة المؤسسية للأدوار العسكرية وغيرها).
4- الإخضاع (التدريب البدني والنفسي على الوحشية لتعميق الإلتزام والولاء).
5_ التخصص (تعزيز الخبرة في التدريب المتخصص).
6- التمركز (تحديد أدوار ونشرها وتعيين أعضاء جدد).
تجمع داعش بين توظيف الطرق المباشرة وغير المباشرة، التعاونية والإكراهية، والفردية والمنهجية، في سبيل سعيها لبناء استراتيجية شاملة لتطرف القُصّر، وحدد الباحثون عدداً من أساليب داعش في إستهداف، وتجنيد الأطفال، بما في ذلك عمليات الإختطاف، أوالإغراء بالهدايا، أوتأثير داعمي داعش الآخرين.
ترتكز استراتيجية داعش في عمليات التجنيد على أساليب عدة تتبعها التنظيمات الإرهابية كافة، منها اختطاف الأطفال من عائلاتهم، أومن مخيمات اللاجئين، أو دور الأيتام، ثم عزلهم، وتجنيدهم بالقوة، أو قتلهم في حالة الرفض.
ومن الأمثلة على ذلك، استهداف التنظيم للأيزيديين في جبل سنجار أغسطس 2014، والذين قدرت الأمم المتحدة والمسؤولون الأكراد عددهم بـ 400 ألف.
وبحسب دراسة واسعة النطاق فإن أولئك الذين قُتلوا وصل عددهم إلى ما يقارب التسعة آلاف و 900 فرد، فيما بلغ عدد من تم اختطافهم نحو ستة آلاف و 800 مُختطف يُشكل الأطفال دون سن الرابعة عشرة منهم نسبة تبلغ نحو 33.7 في المائة.
وعلى الرغم من صعوبة تحديد مصير كل طفل تم اختطافه من قبل داعش، إلا أن هناك إجماع عام على أن الأدوار المخصصة للأطفال في التنظيم محددة حسب جنس الطفل، فالفتيات يتم بيعهن للمقاتلين لإشباع الرغبات الجنسية، والذكور يتم تدريبهم كعناصر مسلحة في الصفوف الأمامية أو كإنتحاريين.
ومع ذلك، فإن التجنيد الإجباري لداعش لم يقتصر على إجبار الأقليات أو الإختطاف فقط، بل أوضح تقرير مشترك بين بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (UNAMI)، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (OHCHR) في يناير 2016 أن مابين 800-900 طفل تتراوح أعمارهم بين 9 - 15سنة، تم اختطافهم في الموصل من دور أيتام، بيوت، مدارس، وملاعب، لتحقيق هذا الهدف.
من خلال كل مرحلة من مراحل استراتيجية داعش لتلقين الأطفال وتدريبهم كمحاربين، سعى التنظيم إلى تطبيع استغلال الأطفال وتعريضهم للعنف والموت.
فيما تتشابه مشاعر الصدمة لدى كثير ممن يشاهدون صور الأطفال الذين يتم الدفع بهم في الصراعات أو العمليات الإرهابية، إلا أن داعش تشجع على نشر هذه الصور باعتبارها "شرفاً"ً كبيرًا، ومسؤولية يتحتم على الأطفال أن يتطلعوا إليها ويتنافسوا من أجلها.
لاحظ الباحثون أن "أكبر حجم محتوى مما يعرض على وسائل الإعلام الداعشية فيما يخص الأطفال يتعلق بالعنف، ويتألف إما من الأطفال الذين يشاركون مباشرة في العنف، أو يتعرضون للعنف".
تعمل داعش بشكل حثيث على دمج مشاهد العنف بالمشاهد الحياتية اليومية في المناطق التي تسيطر عليها، أومعسكراتها التدريبية، ولتحقيق هذا الهدف أنشأت أواخر يوليو 2014 ما يمكن وصفه بـ"نقاطاً إعلامية" في الميادين والتجمعات بمناطق سيطرتها في العراق وسوريا، تضم شاشات كبرى تعرض مقاطع فيديو متكررة لمعارك وعمليات إرهابية مليئة بالدماء أوالإعدامات، مع توزيع كتيبات ومنشورات تغذي هذه الوحشية لدى الجمهور المستهدف.
كما، لاحظ باحثون آخرون أنه في كل تقرير تقريبًا أو فيديو يصور تنفيذ عقوبات مثل: البتر، الرجم، قطع الرؤوس، يكون الأطفال حاضرين بأعداد كبيرة بين الحشود، حيث يؤدي هذا التعرض المباشر وغير المباشر للعنف إلى فقدان الطفل للإحساس بالشعور الطبيعي بالخوف، أو الاشمئزاز، أو الشعور بالذنب، ويعزز بدلاً من ذلك رسالة داعش في أن العنف هو أسلوب حياة ضروري و"طبيعي"، وسواء تم تلقين هؤلاء الأطفال أيديولوجية داعش قبل هذه المشاهد أم لا، فإن مجرد وجودهم في أراض التنظيم يجعل التعرض لرسالته أمرًا لا مفر منه.
يعمل تنظيم داعش على ما يمكن وصفه بـ "إعادة برمجة" الأطفال، لإحداث تغيير في سلوكياتهم الفطرية، وأدواتهم في إطلاق الأحكام، وعناصراكتسابهم الأخلاق والقيم، ليتحولوا إلى عناصر وحشية تنفذ توجيهات التنظيم دون النظر إلى اية اعتبارات دينية أو خلقية.
ولزيادة القيمة الدعائية لوحشية داعش وعنفها فقد عمدت مراراً وتكراراً إلى إيكال مهمة "قطع الرؤوس" إلى أطفال من التنظيم، لا تتجاوز أعمارهم في بعض الأحيان خمسة أعوام، وتصويرهم في مقاطع الفيديو الخاصة بها.
وقد لعبت مجموعات من الفتيان دوراً رئيساً في مثل هذه المقاطع المخيفة التي تُظهرهم يقومون بإطلاق النار، أوقطع رؤوس رهائن وسجناء.
أطفال المقاتلين الأجانب والمهاجرين إلى أراض تحت سيطرة داعش مثل عيسى دير الملقب بـ "الجهادي الصغير".
لا تشكل مثل هكذا مقاطع وسيلة مؤكدة لتعليم وتدريب المجندين الأطفال في داعش فحسب، بل تشكل أيضًا منصة يمكن من خلالها للجماعة نشر رسالتها إلى الأطفال في جميع أنحاء العالم، عبر حسابات داعميها في مواقع التواصل الإجتماعي.
ترتبط حياة الأطفال المُجندين ارتباطًا وثيقًا بعمليات سفك الدماء، وسنوات الحرب والنزاع.
ووثق تقرير نشرته مجموعة أكسفورد للأبحاث في 2013، مقتل 11 ألف و 420 طفلاً في أول عامين ونصف من الحرب الأهلية في سوريا، وتمتلأ التقارير الإخبارية الدولية بصور الضحايا الأبرياء لهجمات النظام، أوالتنظيمات المتطرفة.
يقوم داعش بدمج هذه الصور، لإضفاء الشرعية على ايديولوجيته وأفعاله، ودعوة الكبار والأطفال إلى الإنضمام إلى القتال ضد مضطهديهم.
يؤدي التعرض المستمر للصور ومقاطع الفيديو وأعمال العنف الحية التي تصورها وتروجها داعش إلى تشتيت الأطفال وتطبيع هذه الفظائع، وفقدهم الإحساس بأية قيمة للحياة.
أدى إغلاق العديد من المدارس بسبب الحرب الأهلية في سوريا واحتلال داعش لبعض مناطقها، إلى فراغ ليس فقط في أماكن التعليم، بل حتى في المناهج الدراسية، والأنشطة الإجتماعية للأطفال والمراهقين.
وعلى النقيض من ذلك، عمدت داعش إلى إلزام ذوي الأطفال في مناطق سيطرتها بإحضار أطفالهم إلى المدارس، ورفض أساليب التعليم في المنازل لفقدانها القدرة على مراقبتهم أو تجنيدهم.
ورغم تقديم المعلمين دروس التنظيم المزعومة، إلا أن داعش تعتمد بشكل كبير على الأطفال أنفسهم لترويج ايديولوجيتها، مثل ترويجها لما يمكن وصفه بـ"صيحات موضة" في المدارس، والمنازل، والشوارع، تقدم داعش على أنها مصدر للسلطة والإزدهار لا يمكن للمواطنين العاديين الوصول إليه، وخاصة الأطفال أوالمراهقين.
هكذا، قام "داعش" بتسويق "وحشيته " ليس فقط في مناطق سيطرته، بل من خلال دعايته وقنواته وحساباته في مواقع التواصل الإجتماعي بين القُصّر.
تسلط دعاية داعش الضوء على الصداقة والمغامرة في آن، التي تصور الأطفال وهم يتدربون، ويسيرون، ويتناولون طعامهم معاً، وكأنهم يعيشون أجواء من الراحة والمتعة فيما الواقع عكس ذلك تماماً.
يسعى داعش إلى "إعادة تشكيل" عناصره الجديدة وفقاً لنظرته - لا يستطيع تخصيص موارد بشرية ومالية لتأسيس أجهزة تلقين واسعة النطاق (مثل المدارس ومعسكرات التدريب) والحفاظ عليها في مناطق سيطرته الجديدة إن وُجدت – حيث ساعدت أنشطته على تعزيز ايديولوجيته المتطرفة.
تشير مقاطع الفيديو إلى أن مسلحي داعش يستضيفون مسابقات للتلاوات القرآنية وأنشطة "تسلية"، ويوزعون ألعابًا وطعامًا بالمجان، ويقدمون إرشادات دينية وأخلاقية، ويشجعون الأطفال على القيام بدور مع باق العناصر لتعزيز شعورهم بالإنتماء للتنظيم.
تشمل الأدوار والمسؤوليات التلويح بعلامة أو راية داعش - لتلقين الأطفال مهارات الاتصال -، وإشراك الأطفال والعائلات في أنشطة الإدارة والتواصل، للترويج لوجود صورة إيجابية للحياة في ظله.
على الرغم من أن التنشئة الإجتماعية لداعش تركز بشكل رئيس على الإشباع الفوري للعنصر بالمكافآت المالية، أوالمعنوية، أورفع المكانة القتالية، أوتوسيع سلطاته، إلا أنها تستغل رغبات الأطفال في زيادة ترسيخها لمعنى الانتماء للتنظيم، والغاية منه.
يتقدم الأطفال إلى أبعد من الدعم والمسؤوليات الدعائية، وينجذبون (مثل البالغين) إلى الجماعات المتطرفة، بوعدهم بالمغامرة، و"الأخوة في السلاح"،هكذا تملأ أيديولوجية داعش فراغًا من التنشئة الاجتماعية.
وفي السياق عاليه، أنشأ داعش مؤسسات مثل "كشافة الخلافة المركزية" لضمان أن يتم الجمع بين التدريب العسكري، والديني، مع تعزيز الشعور بالمجتمع والهوية والإنتماء، وبالتالي تعزيز قبضته على عقول المجندين الصغار.
روجت داعش لأدوار الأطفال كتجربة مثيرة، ومن الأمثلة البارزة على ذلك، تسجيل لقطات فيديو من طائرة بدون طيار في الموصل نُشرت في مارس 2017، تظهر مقاتلة تابعة لداعش تستخدم طفلًا كدرع بشري لردع نيران العدو.
على الرغم من أن الأطفال يُجندون على الأغلب بسبب نقص عدد العناصر الراشدة، إلا أن لديهم مواصفات خاصة تميزهم عن الراشدين بأي حال، وكلما طال الصراع كلما ازدادت احتماليات تجنيد الأطفال بأعداد متفاقمة.
بعض الأسباب الرئيسة وراء تجنيد الأطفال إضافة إلى استكمال العدد، يمكن تحديدها في: سهولة استخدامهم في المعارك، سهولة التأثير عليهم وإدارتهم، حبهم للمغامرة، سرعتهم في تعلّم مهارات القتال، انعدام التنافس لديهم، إضافة إلى أنهم يشكلون تحدياً أخلاقياً أمام القوات المحاربة للتنظيم.
كما، يلعب الجانب الإقتصادي دوراً في الإستفادة منهم، حيث إن أجر الصغار أقل بكثير من الأكبر سناً، فيما يستغل التنظيم انضباطهم وحماسهم في إقناعهم بتنفيذ عمليات انتحارية عبر التأثير على عقولهم.
ويبقى الحماس الكبير الذي تبديه المنظمات العالمية غير كافٍ للحد من ظاهرة (تجنيد الأطفال)، وإنما يبقى الجهد الأكبر عبر تجفيف مصادره الظاهرة بالأساس، بالعمل على تفعيل البرتوكول الخاص بحماية الأطفال من النزاعات المسلحة.