مخاطر الأوضاع الهشة في

دول الساحل الأفريقي

ملخص تنفيذي:
- لا يمكن بحال من الأحوال إنكار أن ثمة حالة من القلق تنتشر لدى الأوساط الفكرية العالمية في أن تُولّد الصراعات في بعض دول الساحل الأفريقي حالة من الفراغ الجيوسياسي ما يسمح بإحياء مشاريع عرقية أو طائفية أو دينية يُعاد تدويرها وتصديرها إلى الساحة الدولية على شكل حروب مباشرة أو حروب بالوكالة أو مشاريع إيديولوجية راديكالية متشددة، تدفع ثمنها أجيال وأجيال حتى تخمد من جديد، والذاكرة التاريخية مُحملة بكثير من الصور المأساوية لحروب نشأت لأسباب مشابهة وإن اختلفت في ظاهرها مثل حرب الصومال - أثيوبيا 1977 -1978، حرب ليبيا - تشاد 1973 – 1988، وحرب إرتيريا وأثيوبيا، وغيرها من تلك الحروب التي سقط فيها الآلاف من الأبرياء، وخلفت وراءها مخزونًا فكريًا مغلوطًا ومشوبًا بالأخطاء مازال يشكل حتى اليوم محطات مؤلمة وموجعة في تاريخ القارة السمراء.

إن، الصراعات الداخلية في دول أفريقيا والملموسة الآن في مالي، بوركينا فاسو أو تلك المرتبطة بالوضع العام المضطرب في منطقة الشرق الأوسط، وما خلفته من تغول على سيادة بعض الدول لتحقيق أهداف تتعارض مع الأمن الفكري وطبيعة المجتمع ومحاولات تهديد الاستقرار كما هو الحال في مالي، جميعها أمور وتحولات تمنح الجماعات والأفكار المتطرفة فُرصًا أكبر في الانتشار والتغلغل، وتغذيها بأدوات قادرة على أن تدفعها نحو أعلى المستويات والاستمرار والانتشار.

هذه المخاوف، عبّر عنها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رئيس مكتب المنظمة في دول غرب أفريقيا والساحل محمد بن شامباس، في تقرير إلى مجلس الأمن نهاية (يوليو) 2020، أكد فيه ما وصفه بـ" الأوضاع الهشة للغاية" في دول غرب أفريقيا والساحل، كاشفًا في تقريره أن هناك أكثر من 921 ألف مواطن من بوركينا فاسو وحدها أُرغموا على الفرار من بيوتهم ومدنهم بحلول شهر (يونيو) 2020، ما يمثل قفزة نسبتها 92% مقارنة بأعداد الهاربين في 2019، وأن عدد من تم إبعاده داخليًا في مالي حوالي 240 ألفًا من بينهم 54% من النساء، بينما بلغ عدد من أُرغم على الهرب من موطنه في النيجر بنحو 489 ألفًا، وشمل ذلك لاجئين مبعدين داخليًا ينتمون للجنسية النيجيرية والمالية، وأن هناك ما يقرب من 7,7 مليون إنسان يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، محذرًا من "تصاعد الروابط والصلات بين جماعات الإرهاب والجريمة المنظمة، والمنخرطين في العنف الداخلي لا يمكن تصوره، فالإرهابيون وفي ظل غياب الدولة في المناطق النائية وأطراف المدن، يواصلون استغلال عناصر عرقية مجهولة الهوية في تطوير أجندتهم وتوسيعها". يُستعرض هنا بإيجاز خارطة الأفكار والتنظيمات الإرهابية في دول الساحل، وتأثير الصراع على الأمن الفكري لدول المجموعة.







المقدمة

أدى الاختلال في ميزان بعض الجغرافيات في كل من آسيا وأفريقيا خلال الفترة من 2011 - 2020 إلى إحياء الفرص مرة أخرى لدى تنظيمات متشددة في صناعة واقع جديد لها بعد تعرضها لخسائر وهزائم متتالية على المستويات كافة الأمنية والفكرية، وهو ما تسبب في حدوث انتقال الإرهابيين نحو الدول ذات الطبيعة المجتمعية أو الأمنية أو الاقتصادية الرخوة في القارتين، وكانت مجموعة دول الساحل موريتانيا، النيجر، تشاد، بوركينا فاسو، ومالي، هي الأقرب لخطط وإستراتيجيات تلك التنظيمات بل وتحالفات جديدة سعت وما زالت إلى استغلال الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تمر بها بعض دول هذه المنطقة في إيجاد قواعد وحواضن دينية شعبية تتوافق فكريًا وعقديًا وأهدافها في التمدد والتمركز كتنظيمات، أو بناء كتل جيوسياسية كتحالفات جديدة تخدم مصالحها وأهدافها، ما أثر في شكل التدين في حواضن تلك الدول وتغيره إلى سلوك عنيف وراديكالي، وتوظيفه في صناعة واقع سياسي وطائفي يتماشى مع أهداف كل تنظيم إرهابي.






كرونولوجيا الإرهاب

قد يكون من المهم العودة تاريخيًا إلى الفترة ما بين 1991- 2002 في بعض دول منطقة شمال أفريقيا، والتي تُعد بوابة مهمة نحو العمق الأفريقي، حيث حاولت جماعات متطرفة بها فرض إيديولوجياتها بالقوة، وبدأت ما تُسمى بـ "جماعة الجهاد" في الظهور كطرف راديكالي في بعض هذه الجغرافيات، تبعها ظهور جماعات إرهابية قامت بتنفيذ عمليات عنف واختطاف وقتل سقط خلالها عشرات الآلاف من الضحايا عسكريين ومدنيين، سعيًا منها إلى فرض واقع جديد وفق رؤى وأهداف كل جماعة.

في، هذه المرحلة، بدأ أعضاء منظمة الوحدة الأفريقية الانتباه إلى خطورة هذه الجماعات، فسارعوا في 14 (يوليو) 1999 إلى تبني اتفاق عُرف بـ"اتفاق الجزائر لمنع ومكافحة الإرهاب"، بدأ العمل به في (ديسمبر) 2002، وضمّن بنودًا عدة من أهمها اتفاق دول المنظمة (الاتحاد الأفريقي لاحقًا) على تعريف محدد لمفهوم الإرهاب، وهو التالي:

"يعتبر انتهاكًا للقانون الجنائى للدولة الطرف أي عمل يعرض حياة الأفراد للخطر أو يشكل خطرًا على التكامل الطبيعى، والحرية، أو يسبب إصابة خطيرة، أو يسبب الموت لأى شخص، أو أى عدد أو مجموعة من الأشخاص، أو قد يسبب خسارة للممتلكات العامة والخاصة، أو الموارد الطبيعية أو التراث البيئى أو الثقافى، أو كان الهدف منه إرعاب أو وضع أية حكومة فى حالة خوف، أو إكراهها أو إجبارها أو إغراء أية حكومة أو هيئة أو مؤسسة أو أى قطاع للقيام أو الامتناع عن القيام بأى عمل أو تبنى أية وجهه نظر أو التخلى عنه أو العمل وفقًا لمبادئ معينة، أو دعم أية هيئة عامة أو تعطيل تقديم أى خدمات أساسية للجمهور أو خلق حالة طوارئ عامة أو خلق حالة عصيان عام فى دولة ما، أو تعزيز، أو رعاية، أو مساهمة لأي أمر، أو مساعدة، أو تحريض، أو تشجيع، أو محاولة أو تهديد أو خيانة أو تنظيم أو قيام أى شخص بالتدبير بهدف ارتكاب أى فعل من الأفعال المشار إليها ..".

كما، اتفقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي خلال اجتماعهم في الجزائر في الفترة من 11- 14 (سبتمبر) 2002، على "خطة عمل حكومية لمواجهة الإرهاب"، تضمنت بنودًا جديدة إضافية منها: تحديد آليات العمل الشُرطي وضبط الحدود بين الدول الأعضاء، ومنع ومكافحة تمويل التنظيمات والجماعات الإرهابية، وتبادل المعلومات إقليميًا ودوليًا، وقد أعقبت هذه المرحلة في 2003 بروز تشكيلات جديدة لتنظيمات وجماعات أثرت وما زالت في الصراع الحاصل في عدد من دول العمق الأفريقي، والذي يعد الفكر المتطرف أحد الأسباب الرئيسة لاستمراره حتى الآن.


الانكماش الجيوإستراتيجي

تاريخيًا، تُشير كثير من الدراسات إلى أن التطرف والإرهاب انتشرا في مجموع دول الساحل بين عامي 1991- 2002، حيث بدأت ما تُعرف بـ "جماعة الجهاد" في العام 1992 نشاطها العملياتي على الأرض مثل الاختطاف، وتشجيع عناصرها على تنفيذ عمليات انتحارية في أماكن وتوقيتات مختلفة، ومع ازدياد عدد الجماعات الإرهابية العاملة في تلك المناطق وزيادة هوة الخلاف فيما بينها في ظل سعي كل منها إلى فرض إرادتها على الأخرى، اتفقت قيادات تلك التنظيمات في (مايو) 1994 على صيغة محددة للاندماج.


ومع ازدياد الضغوط الأمنية من بعض دول المنطقة على هذه الجماعات، اضطر كثير منها إلى الهرب نحو مالي منذ 2003، لتكوين تنظيمات بعضها موال للقاعدة وأخرى لداعش، وهو ما سنتعرض له لاحقًا.

مبادرات لمكافحة التطرف

اتخذت دول الساحل عدة مبادرات لمواجهة تمدد التنظيمات الإرهابية في منطقتها، ومكافحة محاولاتها في نشر أفكارها المتطرفة، وأنشأت كل من موريتانيا، تشاد، بوركينا فاسو، النيجر، ومالي، في (فبراير) 2014 مجموعة G5 بهدف نشر الأمن والدفع بعمليات البناء والتنمية كأحد الأدوات الرئيسة في مواجهة تمدد تلك التنظيمات، ودعمت فرنسا هذه المبادرة بعملية (برخان) التي أطلقتها في الأول من (أغسطس) 2014، بعد انتهاء عمليتها (سيرفال) التي انطلقت في (يناير) 2013 لمواجهة حالات الاضطراب شمال مالي، وفي 2015 أعلنت دول المجموعة عن إنشاء فريق مشترك متخصص معني بمكافحة الإرهاب، بدأ العمل بشكل فعلي في 2017، إضافة إلى مبادرات أخرى لبعثات الاتحاد الأوروبي التدريبية في مالي وغيرها التي تعمل على تنفيذ إستراتيجيات بعيدة المدى لإعادة الأمن والاستقرار في دول G5. وفي 25 (فبراير) 2020 استضافت العاصمة الموريتانية نواكشوط أعمال القمة العادية السادسة لرؤساء دول G5، ثم قمة (زعماء دول الساحل الخمس) بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكان ملف مكافحة الإرهاب والتنمية القاسم المشترك في القمتين وغيرهما. كما، دعمت فرنسا قواتها في عملية (برخان) بـ 600 جندي ليصبح عدد القوات المشاركة أكثر من خمسة آلاف جندي، وقد أعلنت في (يونيو) 2020 عن نجاحها في قتل الإرهابي عبدالمالك دروكدال، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
لقد، أوضح مقال لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أن عمليات محاربة الإرهاب على المستوى الإقليمي ساهمت في تغيير الوضع السياسي في دول الساحل الخمس، حيث تجاوزت بعض دول المجموعة مثل تشاد، عزلتها السياسية، وكانت زيارة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في (يوليو) 2014، وإقامة مقر (برخان) في نجامينا بمثابة عودة تشاد مجددًا إلى المجتمع الدولي، حيث شاركت في القوات المنتشرة شمال مالي، وفي عملية (سيرفال)،وفي بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، إضافة إلى محاربة جماعة بوكو حرام على طول حدودها الشرقية.



إستراتيجيات محاربة العنف

استنادًا إلى نتائج أبحاث ميدانية أجراها معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام، أعلن عنها في 18 (مايو) 2020 حول محاربة العنف في دول G5، فإن دوافع الصراع وعدم الاستقرار في دول المجموعة ما زالت قائمة، مثل حالات ضعف الدولة، ونقص الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم، وخلصت هذه الأبحاث إلى أن "مكافحة التطرف تتطلب تنفيذ إستراتيجيات للتنمية المستهدفة، حيث يعاني السكان من عواقب عزلتهم الجغرافية مثل قلة الخدمات العامة وانخفاض مستوى الأمن، وهم معرضون بشدة للصدمات الخارجية مثل الجفاف، وهي عواقب تزيد من ضعفهم وتعرضهم ليس فقط للاختطاف وإخضاعهم لعمليات اتجار غير مشروع، ولكن أيضًا للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة، ومع ذلك، يُظهر البحث المحلي للمعهد أنه بعيدًا عن رفض الدولة فإن المجتمعات في دول المجموعة تطالب بدول أكثر شمولاً قادرة على توفير الخدمات العامة".

الدعم السعودي





الاهتمام الأميركي




الحضور الفرنسي







التركيبة الديموغرافية

تعد التركيبة السكانية عاملًا رئيسًا في تحديد شكل وطبيعة العنف في دول مجموعة الساحل، حيث تسعى أحيانًا إثنية محددة في المنطقة إلى فرض هيمنتها على باقي الإثنيات، وهو ما يتطلب تفكيك أو معرفة لطبيعة التشكيل السكاني في دول المجموعة.
إن، منطقة الساحل تتميز بتنوعها الإثني، حيث تتداخل بها مجموعة من الأعراق، ويؤثر التغير المناخي في تحرك هذه القبائل أو إعادة تمركزها أو كثافة أعداد اللاجئين منهم هربًا من حالات الجفاف أو التصحر التي تضرب دولهم، ما يجعل حصر أماكنها من الصعوبة بمكان مع غياب التجانس فيما بينها، وهو ما توظفه التنظيمات الإرهابية لصالحها سواءًا في عمليات تمددها أو تجنيدها لعناصر جديدة.






ثروات وفرص

تتمتع دول الساحل بثروات هائلة من النفط والمعادن مثل الذهب والماس، واليورانيوم، والمنتجات الزراعية التي تُدر عائدات باهظة من الأموال مثل القطن والكاكاو، ما جعل هذه الدول محط أنظار التنظيمات الإرهابية التي ترى فيها مكانًا مثاليًا للحصول على عوائد كبيرة دون مقاومة تُذكر، خاصة في ظل قلة الكثافة السكانية وحالة الفقر الشديدة والصراعات المشتعلة بين القبائل والجماعات السكانية في عدد من هذه الدول.




بوركينا فاسو

تشاد

مالي

النيجر

موريتانيا






التنظيمات المتطرفة في

دول الساحل

أدى انتشار العنف في مناطق بمجموعة دول الساحل إلى التأثير سلبًا على الأمن والاستقرار في باقي دول المجموعة، فانتشار العنف شمال مالي أدى إلى تمدده نحو منطقتي سيغو وموبتي وبوركينا فاسو والنيجر، وهو الأمر الذي دفع بالممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مسؤول المنظمة في غرب أفريقيا ودول الساحل محمد بن شمباس، أن يؤكد في جلسة أمام الأمم المتحدة في الثامن من (يناير) 2020 أن عدد الضحايا تضاعف خمس مرات في 2019 مقارنة لما كان عليه في 2016، حيث تم الإبلاغ عن أربعة آلاف حالة وفاة، مقارنة بـ 770 حالة في 2016.

 اليد الطولى في الصراع بين داعش والقاعدة 


رغم أن الأحداث التي شهدتها مالي في 18 (أغسطس) 2020، لم يتضح أثرها على مشهد التنظيمات الإرهابية في دول الساحل حتى الآن، إلا أن الأنباء المتداولة عن مقتل زعيم تنظيم داعش في منطقة تماليد بالقرب من الحدود النيجيرية في 17 (أغسطس) من العام ذاته، تشير بصورة أو بأخرى إلى أن كفة الصراع تميل لصالح جماعات موالية لتنظيم القاعدة، خاصة في منطقة المثلث الحدودي بين مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو.

في الأثناء، رددت جماعات موالية لتنظيم داعش أخبار عن نشاط مكثف للتنظيم في موزمبيق وقيامه بفرض سيطرته على ميناء شمال البلاد، إلا أن رصد ومتابعة بيانات تنظيم داعش وإصدارته في 20 (أغسطس) 2020 لم يتم التطرق فيهما إلى أي من هذه الأخبار.



التطورات في دول الساحل

شهدت بعض دول الساحل مؤخرًا تطورات طالت العديد من قياداتها ستنعكس سلبًا على جهود مكافحة التطرف والإرهاب في مجموعة دول الساحل الأفريقي، ففي 20 (أبريل) 2021، أعلن الجيش التشادي مقتل الرئيس إدريس ديبي، غداة الإعلان عن فوزه بالانتخابات الرئاسية للمرة السادسة، إثر إصابته في مواجهات مع متمردين. وفي الثاني من (يونيو) 2021، أصدر الاتحاد الأفريقي قرارًا بتعليق فوري لعضوية دولة مالي، إثر اضطرابات سياسية في مشهدها الداخلي وصفت بالانقلابات، الأمر الذي دعا عددًا من الدول الفاعلة في المنطقة خاصة فرنسا إلى التحذير من مخاطر هذه الأوضاع وتأثيراتها على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية على دولها. ونقلت صحيفة "جورنال دو دمانش" الفرنسية في حوارًا مع الرئيس ماكرون، قوله إنه "أخبر زعماء إقليميين أن فرنسا ليس لديها نية بالإبقاء على قواتها في أفريقيا إلى الأبد"، مشيرًا إلى "إمكانية سحب القوات الفرنسية من مالي إذا أدت الاضطرابات السياسية بها إلى المزيد من التطرف"، وهو أمر – إن حدث - من شأنه أن يطلق تحذيرات جدية حول استغلال التنظيمات الإرهابية هذه الأحداث لتوسيع تمددها وانتشارها، في دول منطقة الساحل، خاصة وأن فرنسا لديها 5100 جندي في المنطقة تقوم ضمن قوات دولية أخرى بمكافحة الإرهاب بها.

الخاتمة

إن، منطقة الساحل تُعد نموذجًا لمدى قدرة الإرهابيين على استغلال كل أشكال الهشاشة، لكي يجدوا لأنفسهم على حسابها مرتكزات وجود وتكاثر، كما لو أن الأمر أشبه ما يكون بطفيليات تتكاثر على كل جسم استسلم لعوامل المرض والضعف.

لقد استطاعت التنظيمات الإرهابية أن تستغل الهشاشة الجغرافية للمنطقة، التي تتأرجح بين المناطق الصحراوية الشاسعة، وبين المناطق الاستوائية التي يغلب عليها الطابع الغابوي، وهو ما سمح لها بأن تجد بسهولة مهاربًا ومخابئًا إستراتيجية، تصَعِّب مهمة ضبطها ومحاربتها.

كما استغلت الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية السائدة، حيث تعد المنطقة من أفقر بقاع العالم كما أنها منطقة تهريب مفتوحة لا يحسب فيها شأن للحدود المحلية، الأمر الذي يجعل جزءًا كبيرًا من التبادلات يتم في إطار غير مهيكل، وبالتالي يوفر مناخًا مناسبًا للفساد المالي، وهو وضع يزيد في تعقيد مهام محاربة الإرهاب، على اعتبار أن هذا الأخير يجد سهولة أكبر في تمويل عملياته، وكذلك في الخروج من قبضة القانون، الذي لا يبدو أنه يملك صلاحيات صارمة وحاسمة في المنطقة، وهو ما شجع الإرهابيين على أن يقدموا أنفسهم كبديل عن الدول نفسها، فجعلوا يجْبُون من السكان إتاوات باسم جمع الزكاة، ويروجون لأنفسهم كضمانات للأمن أكثر مما تستطيعه الجيوش النظامية، وذلك في إطار بروباجندا تحاول تبييض الوجه الدموي للتنظيمات الإرهابية.

وأخيرًا،كل هذا يفيد أن مواجهة التطرف والإرهاب، بحاجة إلى مقاربة شمولية، لا تختزل في الجانب الأمني فقط، بل تنفتح على الجانب التنموي، والفكري أيضًا، فمحاربة الإرهاب ترتبط بمحاربة الهشاشة في كل صورها.