ينغمس الخطاب المتطرف في مزايدات واستقطابات حادة تمزق وحدة المجتمعات وتماسكها، دافعًا في كل حالاته نحو إحداث فوضى في السلوك الجمعي، وتحويله من الالتزام بالثوابت والقيم التي تمثل حافزًا على العطاء والعمل، إلى أفكار حاضنة للعنف والدمار قائمة على معارف مشوهة، وضلالات لديها من الأدوات ما يجعل من اكتشافها عملية معقدة وصعبة خصوصًا أمام صغار السن، لذا فمكافحة ومواجهة مثل هكذا خطابات يتطلب الكثير من الإجراءات الاستباقية التي يمكنها أن تَحُول دون تضخمها، وهو ما نوجزه في النقاط التالية:
- أولًا، من المهم مواجهة محاولات الخطابات المتطرفة في تصوير البطولة على اعتبار أنها فعل تدميري، بل يجب ترسيخ صور مسارات البطولة في الثقافة العامة خصوصًا لدى صغار السن بعيدًا عن صور الفوضى والدمار، نحو صور البناء والتنمية ومواجهة التحديات التي تهدد فرص تطور المجتمع ونهضته، وتقديم الأمثلة التي تدعم هذه الصور وتعززها في سلوكهم، لتوجد لديهم مناعة من أية خطابات متطرفة تحاول استقطابهم أو تحريضهم على هدم وتدمير أنفسهم ومجتمعهم بزعم أن التدمير إنما هو شرط من شروط تحقيق البطولات والانتصارات.
- ثانيًا، من المهم زرع ثقافة الحوار، حيث لا ينبغي أن يتجلى الحوار كمحاولة اعتداء تقتضي من الفرد الدخول في حالة دفاعية عدائية، لأنه في نهاية المطاف لا يجب أن يبدو مواجهة بين عدوّين بل تعاونًا بين طرفين غايتهما بلوغ الحقيقة ما أمكن، مع الاعتراف الدائم بأن ما نتوصل إليه في حواراتنا يظل قابلًا للمراجعة وإعادة التفكير، خصوصًا وأن الأفكار المتطرفة وحدها هي من تتبنى وتنشر الأفكار الإقصائية المنغلقة والرافضة لأي اختلاف.
- ثالثًا، من الضروري أيضًا أن نرسخ في أذهان صغار السن أن مصير البشرية واحد، ولا يمكن لأي مجتمع أن يعيش في حالة انغلاق وعزلة عن التفاعل الإيجابي مع باقي المجتمعات، وأنه لا مجال داخل هذا العالم الشاسع والمتشابك، أن يستفرد طرف بنفسه متناسيًا مصير الآخرين، مع أهمية إبراز ما أظهرته جائحة كوفيد-19 من مدى استحالة الإستراتيجيات الانكفائية في تجاوز الأزمات، لذا ينبغي أن يترسخ في أذهان النشء خصوصًا، حقيقة أن مصير الإنسان أينما كان مرتبط بمستوى التعاون والتعايش مع غيره، وقدرته على نبذ الأفكار الداعية إلى العنف أو الكراهية.
- رابعًا، إن نهضة المجتمعات إنما تتم بالتفاعل الإيجابي فيما بينها وبين سواها من المجتمعات، لذا فإن مكافحة الأفكار المتطرفة والخطابات العنصرية أو الإقصائية أو الانغلاقية إنما هو في الواقع ترسيخ لبناء مجتمعي قوي ومتماسك قادر على مواجهة مخاطر تلك الأفكار والخطابات، وداعمًا لكل فرص نهوض المجتمع وتطوره وتنميته، وأيضًا إثراءً لقدراته وإمكاناته في تحقيق طموحاته وتطلعاته.
- ختامًا، إن المساهمة في نشر القيم الإيجابية كالحوار والتعايش والاعتدال، إنما هو في الأخير تعزيز للمناعة المجتمعية ضد صنوف الفكر المتطرف، وحماية لمكونات المجتمع كافة خصوصًا صغار السن منهم من مخاطره ومهدداته، لذا فالمشاركة المجتمعية في مكافحة الإيديولوجيات المتطرّفة هي أداة مهمة من أدوات حماية أبنائنا من مخاطرها، ودافعًا وحافزًا نحو البناء والتنمية والثقة في الذات والمجتمع في آن واحد.