يظل انتشار الخطاب المتطرف خصوصًا على منصات التواصل الاجتماعي، رهنًا بقدرته على امتلاك إستراتيجيات تسويقية لديها من الأدوات ما يجعلها قادرة على تحويل ضحاياه إلى مجرد أبواق تردد بلا وعي ما يتم تلقينهم به، دون إخضاع مضامين تلك الخطابات إلى الواقع والمنطق، كما أنه بحاجة إلى ما يمكن دعوته بالمصائد التواصلية، إذ يكفي أن يجد الواحد من أصحاب هذه الخطابات فرصة للتواصل مع أي جمهور على فضاء الإنترنت، حتى يُوغل في تنفيذ أهدافه الرئيسة القائمة في مجملها على التشكيك والإدانة والتشهير بخصومه، وفي ذلك نقاط عدة نوجزها فيما يلي:
- أولًا، إن تطور البُعد التفاعلي لمنصات التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها المختلفة، أتاح لأصحاب الخطابات المتطرفة فرصًا متعددة للتسلل إلى تلك المنصات تحت مزاعم مختلفة، حيث يمكنهم من خلالها تشويه المعارف العلمية والعقائدية في المجتمعات لصالح أجنداتهم وأهدافهم التي يسعون إلى تحقيقها عبر خطط وإستراتيجيات متعددة، قائمة على محاولات استهداف فئات من المجتمع خصوصًا صغار السن منهم، لتحويلهم إلى أدوات تدميرية ضد أنفسهم ومحيطهم في آن واحد.
- ثانيًا، ترتكز مضامين الخطاب المتطرف في الشبكات الإلكترونية على معلومات زائفة قائمة في مجملها على الإثارة، في محاولة لاجتذاب أكبر عدد من رواد شبكات التواصل الاجتماعي إلى مشاهدتها أو متابعتها، ما يعني دعمًا مباشرًا لعرابي هذا الخطاب بعد إيقاعهم لمتابعين خصوصًا صغار السن في ما يسمى بمصائد النقر، لذا نجد هؤلاء يعمدون بشكل دائم لاستفزاز مشاعر الناس، سواء بإثارة المظلوميات المفتعلة، أو بترويج المعلومات الخاطئة، التي أضحت سلاحًا بالغ الخطورة في المجال الافتراضي، ذلك لأن الأسلحة التقليدية تحدث تدميرًا لحظيًا وموضعيًا، بينما تستمر المعلومات المضللة في سيرورة التدمير والإيذاء سنوات بعد حقنها داخل الشبكة.
- ثالثًا، يتعمد الخطاب المتطرف على الشبكات الإلكترونية مخاطبة مشاعر الناس من خلال تصويرهم كضحايا، وهو ما يسمح له بإسقاط البعض في خدائعه التواصلية واكتساب تعاطفهم، خصوصًا وأنه يجعل من مناقشة خطابه وكأنه انتهاك للمعتقد أو الإنسانية وهو أبعد ما يكون عن الواقع والحقيقة.
- رابعًا، إن مكافحة خطر الخطاب المتطرف على الشبكات الإلكترونية، ستكون أكثر صعوبة مع الجيل الجديد من الويب، الذي سيتجاوز البعد التواصلي التقليدي للجيل السابق، إلى نوع من التفاعل الشامل القائم على توظيف كل الحواس الإنسانية، ما سينقل الإبحار الرقمي إلى مستوى الافتراضي/ الواقعي، إذ ستسقط الحدود مع تطور هذا الجيل، ما بين الواقع والخيال، وهذا ما سيعطي فرصة أكبر للاستحكام في وجدان المتابعين خصوصًا صغار السن منهم، مما يعني أن الأمر لن يتوقف عند حد متابعة أخبار الإرهاب وحسب بل سيكون غارقًا في تفاصيلها، كما أنه سيتمتع بآليات حماية رقمية أكبر لمجهولية هويته، ما سيسمح بظهور جيل جديد من المتطرفين والإرهابيين المتخصصين في بيع الترهيب الافتراضي على غرار بيع المتعة، ما قد يخلق سوقًا كبيرًا يرسخ عادات استهلاكية جديدة تتجاوز تداول الصور الوبائية للإرهاب، إلى شراء أحاسيس المشاركة نفسها.
- ختامًا، إن كل ما سبق يفيد بأن التحدي الرقمي في مجال مكافحة الفكر المتطرف سيزداد خطورة، وأن جهود مكافحة خطاباته على الشبكات الإلكترونية ستزداد صعوبة، الأمر الذي يستوجب وعيًا مجتمعيًا بأهمية التعاون من أجل إنجاح هذه الجهود، وحماية صغار السن خصوصًا من تغول هذه المخاطر ومحاولات تنظيماتها الدائمة في اختطاف مستقبلهم أو تحويلهم من أدوات للبناء والتنمية إلى مجرد أدوات تخريبية وتدميرية، لذا فإن الاستعداد الجيد لهذا التحدي، يبتدئ أولًا بالوعي بمدى خطورته، ثم التعاون والتكامل بين الجميع لمنع استحواذ المتطرفين على أدوات رقمية كان الأصل فيها أن تسهل منافع الناس، فإذا بها قد تتحول إلى وسيلة لإيذائهم وتضليلهم.