تعاني الإيديولوجيات المتطرفة عجزًا مطلقًا في القدرة على استيعاب مفهوم الدولة الوطنية، ما يجعلها تنغمس في حالات متكررة حد التشابه من الصدام مع هذا المفهوم، محاولة الانفلات والمراوغة في تقديم قراءات واقعية تُبرز المعنى الحقيقي لدلالات الوطن لديها، أو ضوابط الانتماء إليه أومقومات المواطنة، ليبدو المتطرف في هكذا حالة غير قادر على استيعاب قيمة الوطن، ومن ثمة لا يرى ما يمنعه من الانخراط في تدميره إذا ما اقتضت حيثياته التنظيمية ذلك، بل واستدعاء تجارب من حقب زمنية مختلفة لتقديمها على أنها هي النموذج البديل له، لا لشيء سوى محاولته توفير البيئة التي تغيب فيها كل الصور والقيم الرابطة بين المواطن والوطن، الأمر الذي يساعده على نشر أجنداته وتصديرها في شكل أفكار مشبعة بسرديات دينية مغلوطة ومضللة، وفي ذلك يبرز عوار هذه الإيديولوجيات ومنها:
- أولًا: عدم استيعاب تفاصيل مفهوم الوطن أو المواطنة، وغياب القدرة على إدراك أهمية القبول بتعددية المكونات الثقافية بعيدًا عن أي إعلاء متشنج لمحور مكاني أو عرقي، وأن هذا القبول يسمح بتقديم شواهد ونماذج إنسانية مفعمة بقيم التعددية الثقافية و اللغوية في إطار وحدة كونية عامة للمبادئ الأخلاقية، وهو ما يساعد المجتمعات على تقدمها وتطورها وبناء أجيال قادرة على التعايش والتفاعل بإيجابية مع كل التطور المحيط بها، وليس هدمه أو الصدام مع مكوناته.
- ثانيًا: ما يروج له المتطرف كفتوحات مناهضة لمفاهيم الوطن والمواطنة، إنما هو في الواقع استدعاء لشعارات من حقب تاريخية مختلفة، تحمل في طياتها شحنات من العنف الدموي، تستوجب الكشف والتفكيك والتفنيد، لحماية وعي الأجيال الحالية أو المقبلة من محاولات اختطافه من قِبل خطابات و مبررات توغل في التماهي والتسلل نحو المكونات المجتمعية.
- ثالثًا: إن التطرف في هكذا حالة هو نتاج تشوهات فكرية خاضتها كثير من المجتمعات خلال صراعاتها مع أصحاب هذا الفكر، فتم التقاطها لتكون مرتكزات لتقويض الأوطان ونشر الفوضى، وذلك لإدراك الجماعات والتنظيمات المتطرفة، أن وجودها إنما هو في الأساس مرتبط بشكل رئيس بوجود الفوضى والاضطرابات.
- رابعًا: إن ما تتبناه الإيديولوجيات المتطرفة من عداء واضح لمفهوم الوطن والمواطنة، ودعوتها الآخرين إلى تبني هذا العداء تحت مبررات ومزاعم تتسلل بها نحو المجتمعات بأشكال وأنماط مختلفة، هو في الواقع دعوات هدم وتدمير وتخريب، وأبعد ما تكون عن البناء والاستقرار والتنمية الشاملة التي هي حق أصيل للأجيال الحالية أو المقبلة.
- ختامًا: إن من المهم كشف مزاعم وعوار الفكر المتطرف في العداء للوطن، وإبراز ودعم وتعزيز ونشر المفاهيم الوطنية، وتبيان أن التمسك بالأوطان إنما هو في الحقيقة تمسك بالبقاء والاستقرار والحفاظ على حق المجتمعات في البناء والتنمية.