يرفض المتطرف الاعتراف بالتنوع الحضاري والثقافي ليقينه أن وجود هذا التنوع إنما هو تهديد حتمي لبقاء مشروعه الغارق في خطابات الإقصاء والكراهية لأي فكر يخالفه، مُعتقدًا أن كل العالم لابد وأن يكون مُلحقًا بهلوساته التي تجعله يظن أنه أصل الحقيقة، متعمدًا تغييب أن الأمور هي أكثر تعقيدًا وعمقًا مما يحسِب ويدعي، وأن القبول بالتنوع إنما هو قبول بالتفاعل الإنساني الإيجابي، وأنه إثراء للمعارف والمدارك، متجاهلًا في دعواته عددًا من النقاط من بينها:
- أولًا: اعتقاد المتطرف بضرورة توافق كل من حوله مع فكره، ومحاولاته تغييب من يختلف معه وفرض نمط تفكيره عليه ليكون صورة منه ومن سمته الشخصي والسلوكي، هو اعتقاد خاطىء وهراء فكري يعود أصله إلى ذلك النكوص النفسي الذي يعيشه المتطرف، حيث ينظر إلى العالم وهو ملتصق بإيدلوجيته المنغلقة على ذاته والدائرة في مسار واحد فقط تتلخص في تسليمه المطلق بخطأ كل من يخالفه، بل وحتمية اتباعه حتى ولو بالعنف والإرهاب.
- ثانيًا: ما ينادي به المتطرف حيال ضرورة التصاق الثقافات الأخرى به وبأفكاره الحد الذي يجعله يؤمن بضرورة أن تدور هذه الثقافات في دائرة هو فقط من يحددها بل ويفرضها أحيانًا لإلزام الآخر بصواب رأيه وفكره، إنما هي حالة مرضية لا علاقة لها بمعتقد أو فكر، كما هو الحال في موضوعات مثل التعايش والتسامح وكل القيم التي تقبل التجلي في صورة متباينة ومتمايزة من حيث مظهرها الثقافي.
- ثالثًا: يغيب كثيرًا عن التصورات المتطرفة التي تبالغ في استعمال مفردات المعاجم الحربية والعسكرية في صياغة مقولاتها، أن الأصول العقائدية وما يتبعها من أفكار إنما هي أصول تدعو في مجملها إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وأن ما آلت إليه مجريات الحضارات في مراحل تاريخية معينة من مواجهات إنما كان مرتبطًا بوضع جيوسياسي عام للعالم القديم.
- رابعًا: إن الدعوة إلى تجريد المجتمعات من خصوصياتها الثقافية والفكرية بالعنف والإرهاب، ومحاولات إجبار مكوناتها على اتباع فكر أو ثقافة مغايرة لما هي عليها بمزاعم الانتماء إلى لون أوجنس أو معتقد، هي من أكبر الأباطيل التي تروج لها خطابات التطرف والإرهاب، خصوصًا في ظل عجزها الدائم عن تقديم نموذج إنساني حقيقي قابل للتطور والتنمية.
- ختامًا: إن الفكر المتطرف يمنع صاحبه من رؤية العالم من حوله على حقيقته، ويزيد من حصاره في دائرة إيديولوجية ضيقة تدفعه دائمًا نحو تبني خطابات الرفض والكراهية والإقصاء والعنف، وتزيد من انغماساته في حالات من العدائية ضد مجتمعه، وتمنعه من الانخراط في تفاعل إنساني إيجابي قادر على تطويره وإثراء معارفه القيمية والسلوكية والفكرية، أو إخراجه من رعونته الحضارية ونرجسيته السيكولوجية، وهي من أخطر حالات الانغلاق التي تصيب دائمًا أصحاب هذا الفكر.