يعاني المتطرف حالة اضطراب سلوكي ونفسي، تدفعه قسرًا نحو عالم منغلق على ذاته، وفكر تتجاذبة صور وهمية منغمسة في أطر مرضية، تصيبه بارتباك وعجز مطلق عن بناء تصور حقيقي حيال علاقاته مع ذاته أو محيطه، ما يجعله عُرضة للوقوع أسيرًا في شِراك التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي سرعان ما تلتقط مثل هكذا حالات، ومن ثَم إخضاعها لإيديولوجياتها وصولًا بها إلى مراحل متقدمة من التغييب المتعمد عن واقعها، الحد الذي يسهل فيه تجنيدها وتوجيهها نحو تنفيذ ما يتوافق وأهدافها.
وإذا كان المتطرف يعاني صراعات في داخله تنعكس سلبًا على تكوينه المفاهيمي، وقدرته على تلمس الدلالات الحقيقية فيما يتلقاه من خطابات، إلا أن أبرز ما يعتريه من اضطرابات تتبدى في تأرجحه الدائم ما بين حساسياته المفرطة وتصوره الواهم دائمًا في كل ما يتقاطع وأولوياته، فتبرز في سلوكياته العلامات المرضية، التي يمكن إيجازها في النقاط الآتية:
- أولًا: يعاني المتطرف نرجسية مفرطة تمنعه من أن يتفاعل بشكل إيجابي مع من حوله، فينخرط بشكل متتالِ في انهيارات نفسية تجعله حانق على محيطه ومجتمعه حد الرغبة في تدميره، ورافض بشكل مطلق لكل محاولات إقناعه بخطأ مزاعمه، ما يجعل التطرف في هكذا حالة عبارة عن نكوص سيكولوجي، وانتقال من حالة الرشد، إلى حالة اللا وعي المعرفي والفكري.
- ثانيًا: إن جًل التطرف يتقوَّم بالخوف و الكراهية، لذا فالوعي المفاهيمي لدى المتطرف إنما يشبه الترسانة العدائية التي يوجهها دائمًا نحو كل من لا يتوافق وإيديولوجياته وخطاباته، إلى حد توحشه وفقدانه لأهم القيم الإنسانية التي تتفق عليها كل المجتمعات؛ ولنا في تشفيه من النوازل الكبرى التي تطال العالم من جائحات وأزمات مثالًا على هذه المشاعر المرضية؛ لذا فإن النتيجة الحتمية لمثل هذه التحولات المرضية هي متطرف لا يستطيع أن يستوعب العالم إلا من خلال خطابات الكراهية، أو إيديولوجيات ترتكز في مجملها على الإقصاء والرفض المطلق لكل مختلف.
- ثالثًا: يحيط المتطرف الوقائع من حوله بمرويات غرائبية تحيل الأحداث والأزمات إلى حالات صدامية غير قابلة للطرح والنقاش؛ لذا فكل خطاباته إنما هي ترسيخ لمثل هذه الأفكار التي ترتكز على أن الحلول الدائمة إنما يجب أن تتمثل في نشر الفناء والدمار، لذا فإن كل التنظيمات المتطرفة والإرهابية تتعمد إغراق خطاباتها بمثل هذه العدائيات، والأفكار الإقصائية الداعية إلى العنف، ليسهل عليها بعد ذلك استهداف أمثال هؤلاء، ونصب شباكها حولهم للتجنيد أو الاستقطاب.
- ختامًا: إن السيكولوجية العدائية في تكوين الشخصية المتطرفة، تدفع دائمًا نحو الانغماس في خطابات الكراهية والعدائية، والركون إلى مسارات تحيل المتطرف إلى شخص فاقد للقدرة على تكوين تصور حقيقي وواقعي حيال كل ما يتقاطع مع اهتماماته، وتجعل من العنف سلوكًا دائمًا يبرز في تعاملاته وعلاقاته مع كل من يختلف معه، والتي تتبدى في حالات كثيرة من خلال أفعاله مثل ارتكاب الجرائم الإرهابية، أو نشر الأفكار التي من شأنها تقويض ركائز المجتمعات وتهديد استقرارها، الأمر الذي يتطلب مزيدًا من الجهود والتضافر بين المكونات المجتمعية كافة لحماية الأجيال الحالية والمقبلة من الوقوع في مثل هكذا حالات.