ثمة علاقة تلازم بين تسامح المجتمع وتسامح الأفراد حيث أن عيش الفرد في مجتمع خالٍ من التعصب يشجعه من خلال التربية والتفاعل الإيجابي مع محيطه على أن تصبح هذه القيمة سلوكًا تلقائيًا بشكل مستمر ، الأمر الذي يعود في مجمله إلى انتشارها والوعي بأهميتها بين مختلف فئات المجتمع من جهة، وبين مكافحة محاولات جماعات وتنظيمات الفكر المتطرف في استبدالها أو تشويهها لصالح أخرى قائمة على الإقصاء والعنصرية والعنف والكراهية من جهة أخرى، وهكذا يمكن القول أن قيمة التسامح ترتبط في جزء رئيس لها بالأفكار والسلوكيات المجتمعية والتي من خلالها يتشكل وعي الفرد حيال أهميتها بل وضروريتها في تحقيق تقدمه وتطوره، وفي ذلك نقاط من بينها:
- أولًا: من المهم تعاون الفرد والمجتمع على نشر قيمة التسامح ومقاومة الخطابات المتطرفة الرافضة لها والدافعة نحو إعلاء التضخم في ذوات ضحاياها، مع ضرورة الوعي بأن ما تتضمنه تلك الخطابات إنما ينضوي على هدف أبعد من مزاعمها العقدية أو الفكرية أو المجتمعية الظاهرة، وهو عزل الضحايا وتضخيم الأنا في ذواتهم حد رفضهم المطلق لكل القيم والأفكار المختلفة.
- ثانيًا: من المهم تدقيق مفهوم التسامح، حتى لا يُخلط في الأذهان مع قيم لا تمت له بصلة، رغم ظاهر قرابتها منه على المستوى اللفظي، فالتسامح وإن كان يتقاطع في كثير من مفاهيمه مع المسامحة؛ إلا أن هذه الأخيرة تفيد أن هناك طرفًا متفوقًا على الآخر بكل ما يحمله ذلك من دلالات، وهو ما يزيد من تعقيد الأمر بالنسبة للفئة موضوع المسامحة، التي عليها أن تتقبل وفق هكذا مفهوم خاطئ بأنها أقل قدر من الآخرين على المستوى الأخلاقي والاجتماعي.
- ثالثًا: إن التسامح هو فضيلة تكافئية تربط علاقة أخلاقية وحقوقية بين أطراف متساوية، لذا فإن أساسه ليس في رؤيتنا للآخرين بل في كيفية رؤيتنا لذواتنا، فحينما تتضخم تصورات الذات بحيث يبدو الآخر المختلف مجرد كائن قاصر ومخطئ من حيث المبدأ، ويصبح الفرد مُنغمسًا في ذاتيته حد اعتقاده أنه وحده من يملك الحقيقة المطلقة، فهذا يُغلق عليه طريق فهم الآخر أو تفهمه؛ ومن ثَم تزداد فرص استقطابه أو تجنيده من قِبل الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية التي تدفعه دائمًا نحو هذه المرحلة سلوكًا وفكرًا.
- رابعًا: إن فشل المتطرف في استيعاب قيمة التسامح مرده إلى ارتفاع التصور الأحادي لديه، والذي بموجبه يلغي تمامًا فكرة الاعتراف بالآخر أو القبول به في اختلافه وخصوصيته وقيمه، وكلما بدا للمتطرف ما يخالفه كلما اعتبر ذلك استفزازًا ودعوة للمواجهة العنيفة، لذا يصعب على المتطرفين فيما بينهم أو على التنظيمات المتطرفة في مجملها أن تتعايش مع بعضها البعض، وحينما يحدث ذلك فإن اللجوء إلى العنف الدموي يكون هو رد فعلهم التلقائي، على اعتبار أن كل طرف يزعم انه هو وحده من يمثل الحقيقة دون غيره من الأطراف المخالفة، وهذا ما يجعلهم في الحقيقة يعيشون على هامش المجتمعات، لأن مثل هذه التصورات تتحول لديهم إلى عائق اجتماعي حقيقي، ما دام أن كل مجتمع يفخر بتنوعه، وبالتالي فإنه يحافظ في كل الأحوال على حد أدنى من قيم التسامح، وهذا أمر يصعب على المتطرفين إدراكه أو استيعابه.
- ختامًا: يثير التسامح حفيظة المتطرف ويستفز مشاعره، خاصة وأنه كلما وقف على سلوك حضاري منفتحًا على هذه القيمة فإن ذلك يجعله دائم التنديد والتأليب ضد كل من يتبناها أو يدعو إليها، لأنها تُذكِره بما يعيشه من ضيق في أفقه الحضاري والأخلاقي، وتثير فيه الرغبة في الانتقام عوض مراجعة ذاته المنغلقة بفعل الأفكار المتطرفة، وهو ما يجعل من غياب هذه القيمة خطرًا على المنظومة القيمية لدى الفرد والمجتمع على حد سواء، الأمر الذي يتطلب تعاونًا في نشر هذه القيمة لما لها من نتائج إيجابية جيدة تدفع نحو مزيد من التعايش والتواصل الإنساني الإيجابي لدى كل من يؤمن بها فكرًا ويمارسها سلوكًا.