اعتدال

Edit Content
  1. الرئيسية
  2. التدريب الجامعي

كيف نحمي أطفالنا من التطرف؟

إن الطفل هو مستقبل المجتمعات، وإذا ما حدث ووصلت أيادي التطرف إليه، فهذا سيتضمن نتيجة كارثية، مفادها أن التطرف سيضحى لا محالة قدرًا مؤلمًا يسكن مستقبل أي مجتمع لم يتمكن من حماية أطفاله، ولهذا لا مجال لأي تراخ أو تهاون فيما يخص تربية النشء الصغير، وحماية حياته اليومية، وجودة علاقاته المختلفة سواء العائلية أو المدرسية، أو علاقاته الاجتماعية، إذ من المفترض أن تتحول عيون كل المجتمع حارسة لهذه الثروة البشرية التي يتعلق بها مستقبلنا، ولعل هذا ما يجعل الفطرة السليمة للناس تجعلهم لا يقفون موقف اللامبالاة حينما يتعلق الأمر بالأطفال، حيث يبدو كل رجل راشد أبًا لأي طفل إذا ما رآه عرضة للخطر، وكل امرأة تصبح أُمًا في كل مرة يطالعها صغيرٌ تحومُ حوله المخاطرُ. هذا التضافر المتين للجهود في سبيل حماية الطفل والدفاع عنه، تعتبر شبه معطى مبدئي داخل مجتمعاتنا، لكن هذا الحذر للأسف لا يظهر إلا حيال المخاطر الصريحة والواضحة، حينما يبدو الاعتداء على الطفل بكيفية ملموسة وقابلة للمعاينة، بينما قد لا تنتبه الأغلبية إلى أطفالٍ هم ضحايا عنفٍ ناعم وصامت، يدمر أرواحهم ويختطفهم من أهلهم، ويلقيهم في أجندات إجرامية لا تحسب حسابًا لأخلاق ولا لمروءة، هؤلاء الأطفال هم من تمكن الإرهاب من جعلهم أدوات للقتل والتدمير، فجعلهم في وضع المجرم وضحية الإجرام في نفس الوقت، ولوث أرواحهم بأفكار خبيثة، قبل أن يلوث أجسامهم وأياديهم بدماء طاهرة، إنها مفارقة الطفل الإرهابي.

في الواقع إننا إذا ما تركنا الأمور تصل إلى غاية حدوث هذا الانقلاب الذي يُنتج تشوهات صادمة، فاقدة لكل براءتها وهي تنفذ الجرائم التي تقشعر لها الأبدان، نكون قد خسرنا المعركة بشكل مسبق، حيث يستعصي غاية الاستعصاء إرجاع عقارب الطفولة إلى وقتها الطبيعي، فحينما يتذوق الطفل طعم سفك الدماء، ويرسخ في تربيته أن ذلك عملًا بطوليًا يصح المفاخرة به، وتعريض الأنفس للخطر لأجله، يكون فعلًا قد فات الأوان. وإن أغلب التنظيمات المتطرفة بمختلف مشاربها الدينية، جعلت استقطاب الأطفال وتجنيدهم شكلًا من أشكال البضاعة الرخيصة والسهلة والمستدامة، ولهذا لم تأخذها العزة ولا الحياء وهي تدفع بالأطفال إلى حمل البنادق، وارتداء الأحزمة الناسفة، والرمي بأنفسهم في مواجهات لا يد لهم فيها، ولا هم على درجة من الوعي لكي يفهموا خيوطها المعقدة. ولهذا لا ينبغي بأي حال التعويل على نخوة الرجال لدى مثل هذه التنظيمات، فقد أثبتت التجارب أنها لم تميز بين طفل أو طفلة وهي تخطط لمشاريعها الإجرامية المروعة، فقد أضاعت هذه النخوة في نفس الوقت الذي أضاعت فيه إنسانيتها حينما قررت أن تعلن حربها المقدسة المزعومة على كل البشرية. وإنما بالأحرى علينا أن نعول على تضامننا وتكافلنا بحيث نمنع وصول خطاب التطرف إلى أطفالنا، فذلك وحده ما يمكن أن يحميهم فعليًا من مهالك التنظيمات الإرهابية، وهذا لن يتحقق إلا ونحن نضع أطفالنا تحت مظلة واقية يصعب اختراقهما من طرف سهام التطرف السامة، وفي النقاط التالية نشير إلى بعض الجوانب التي يجب وضعها في الاعتبار:

  • أولًا: حماية سلطة التربية والرعاية، لأن من مداخل التطرف الماكرة تشكيك الشباب الصغير في مشروعيات السلط المشرفة عليهم، حيث يروجون لفكرة مفادها أن الطفولة تنتهي عند سن البلوغ، الذي يعتبرونه مناط التكليف الديني، وبالتالي دليل على مسؤولية الطفل في اتخاذ قراراته بعيدًا عن وصاية الأسرة أو المدرسة، وهم في ذلك يضْمَنون التعبئة النفسية للأطفال، ودفعهم إلى الشعور بأنهم قد أصبحوا مسؤولين مستقلين عن أهاليهم، بحيث يبدو أي تدخل في قراراتهم أو توجهاتهم اعتداء على شخصيتهم المكتملة في ظنهم، متناسين أن سن البلوغ ليس هو سن الرشد، وأن خضوع البالغ لسلطة مربيه، ليس خضوع غَلَبَةٍ وضعف، وإنما هو شرط التفاعل السليم بين معلم ومتعلم، وبين والد وولد، ذلك لأن التوازي الأفقي في هذا الصدد، يلغي شرط الحاجة للتعلم والتكفل، وإذا ما شعر الطفل بأنه يملك من العلم ما حاجة لزيادة عليه، فقد حكم على نفسه بالجهل، وكذلك إذا ما نظر الإبن باسترخاص إلى أفضال والديه عليه، فقد وقع في عقوق رديء يغلق أبواب الفضائل أمامه، فلا بد إذن من التسليم بهذا التفاوت الرمزي بين النشء ومعلميه سواء بالمدرسة أو بالأسرة، والحفاظ عليه من خطاب التمييع الذي يستعمله المتطرفون لفك ارتباط النشء مع ذويهم، حتى تصبح الظروف مناسبة لاستعبادهم في معسكرات التطرف، ثم بعد ذلك التضحية بهم قربانًا لخبث كبار المتطرفين.

 

  • ثانيًا: الحياة الافتراضية التي يعيشها الأطفال ضرورة، بحكم تطورات مجتمع الاتصال، الذي أصبح يتعامل مع المكونات الرقمية كجزء من شخصية الإنسان، ولهذا لا يصح عزل الأطفال عن المجال السيبراني، فهذا سيمثل تعطيلًا لانفتاحهم ومجاراتهم لمستجدات العالم المعاصر، بل بالأحرى ينبغي العمل على التأطير القانوني والأخلاقي لهذا المجال، بحيث تُرصد كل المؤثرات التي من شأنها أن تحمل ولو شبهة خطر، فتحاصَرُ وتُحذف، ويعاقب مروجها ومنتجها. إن الحرص على خلق بيئة سليمة على المستوى الرقمي، سيمثل انتصارًا كبيرًا على مشاريع الاستقطاب نحو التطرف.

 

  • ثالثًا: ولأننا لا نربي أطفالنا كي يظلوا أطفالًا إلى الأبد، بل نُكَوّنهم كي يصلوا إلى مستوى من النضج والرشد، بحيث يصبحون هم أنفسهم وسيلة لتربية من يصغرهم سنًا، سيكون علينا أن ننمي لديهم حسًا نقديًا، يمكنهم من التمييز بين الغث والسمين، وبين الوهم والحقيقة، وهذا ما سيضمن للمجتمعات جبهة قوية ومستدامة لمحاربة خطاب التطرف وآلياته الماكرة.

 

  • ختامًا: يمكن القول إن الخطر المحدق بأطفالنا ليس صريحًا دائمًا، ولا تبدو بشاعته بوضوح كامل في كل الحالات، بل إنه قد يلبس أقنعة عديدة، لأجل أن يتسلل إلى عقول أطفالنا فيظنون أنه جزء من ثقافتهم ومن مجتمعهم، وهو إنما يريدهم ضد هذا المجتمع، ولأجل تفكيك أواصره، وبث الشقاق داخله، ولهذا يلزمنا أن نكون حذرين على الدوام، على الخصوص من تلك الأطراف التي تحاول تحت قناع الغيرة والوفاء والحَمِيَّةِ أن تسرق أجيالًا من الأطفال والشباب الصغار، لكي تجعلهم حطبًا لمشاريعهم العدمية. فمزيدًا من الحذر حماية لأطفالنا.