عجز خطاب التطرف عن استيعاب التحولات الفكرية

يعاني خطاب التطرف حالة ملموسة من الغياب والعجز عن استيعاب التحولات الفكرية الكبرى في تاريخ الإنسان المعاصر، فتتبدى أطروحاته في سياقات تكاد تكون متشابهة من حيث اتفاقها الضمني على حتمية الكراهية والإقصاء والتشدد، وكأنها قواعد لا يمكن للمتطرف التخلي عنها أو عن سياقاتها في بناء خطابه، وهو ما يمكن الإشارة إليه بإيجاز في النقاط التالية:

  • أولًا: إن انغماس النص المتطرف في بكائيات وعدائيات حيال كل ما من حوله، راكم كمًّا هائلًا من النتاجات الإنشائية التي تتحدث عما لا تفقه تفاصيله، وما لم تبذل جهدًا لأجل استيعاب دقائقه النظرية، فغابت وسط دائرة من التسطيح قائمة على فهم تبسيطي يبلغ حد التفاهة الساخرة، انطلاقًا من شعارات لا ترقى لأن تعتبر اعتراضًا فكريًا على أطروحات نظرية كبرى.
  • ثانيًا: لم يستطع الفكر المتطرف أن يقدم طرحًا بديلًا في أي من المجالات التي ينتقدها، وعوضًا عن ذلك تضخمت في عقول أتباعه ما يمكن وصفه بـ”التوهم الخطابي” الذي دفع بهم نحو انحدارات مضطردة في مستوى الوعي والإدراك، وصولًا بهم إلى الانخراط في تشكيل تنظيمات إرهابية تفتقد لكل مقومات الانتماء الحضاري، وتجعل من الممارسات الحياتية فرصة لإشاعة التوحش الدموي والردة المدنية، والنكوص الفكري الذي يدفع أتباع هذه التنظيمات خارج الواقع والتاريخ.
  • ثالثًا: يعاني الفكر المتطرف عجزًا كاملًا عن استيعاب دلالات البُعد الاجتماعي بأدواته التي تمثل إطارًا عامًا، تتحدد على أساسه المهام والصلاحيات ونظام الحقوق والواجبات، وفق معايير دقيقة للانضباط القانوني الذي يحول دون وقوع المجتمع في حالات من التشرذم أو العدمية، ويحول كذلك دون الانخراط في مجرد عبارات خطابية غير قابلة للتحقق في سياق العالم الحديث القائم على بناء العلاقات على خلفية مؤسساتية موحدة من جهة حقيقتها وطريقتها ووظيفتها، لذا فإن التنظيمات المتطرفة تفتقد إلى المعجم المناسب للخوض في مثل هذا المجالات لافتقاد أفكارها إلى الإيمان بوجود الآخر وضمنًا استمرار وجوده في هذه الحياة.
  • رابعًا: يغيب عن الفكر المتطرف كذلك قدرته على استيعاب البعد التكاملي للمجتمع، الذي يضمن مجموعة من القواعد العقلانية الدقيقة في تدبير الحياة اليومية لأفراده ومكوناته، لذا فإن رفض الفكر المتطرف للقواعد والقوانين كإطار للتعامل، يجعل أصحابه في حالة شرود وشغور على مستوى العلاقات، ونكران دائم لحتميتها كضامن لاستمرار الحياة، فلا تعدو نتاجات هذا الفكر كونها مجرد صورة لتنظيم قائم في الأساس على الإقصاء والكراهية للآخر.
  • ختامًا: إن الخطاب الذي يزايد فيه المتطرف على مجتمعه، هو ذاته الخطاب الذي يدفعه  – حال تمكنه – إلى الاغتصاب و السرقة والنهب والقتل والمتاجرة في البشر، وهو  تائه في وهْم أن ما يقوم به إنما هو خدمة لقيمة أسمى فقط تتشكل وهمًا وزيفًا في كل أطروحاته.