دلالات البناء اللغوي في الخطاب المتطرف

يعمد الفكر المتطرف إلى تجريد اللغة من مُمكناتها بهدف استلاب قدراتها في التعبير عن المعاني الحقيقية للنصوص، واستبدالها بأخرى يحاول من خلالها إغراق ضحاياه بمفردات فارغة من دلالاتها ومشوهة لها، الأمر الذي يُفقدهم – خصوصًا صغار السن منهم – القدرة على تَبيُن صواب المعنى المُراد الوصول إليه، ما يسهل في الأخير من عمليات استقطابهم أو تجنيدهم استنادًا إلى تفسيرات لغوية خاطئة للمفردات ومعانيها متضمنة تفسيرات دينية وفكرية أيضًا خاطئة، لذا فالخطاب المتطرف هو في الأساس خطاب قائم على زيف لغوي عاجز عن التفاعل الفكري الإيجابي لافتقاد مضامينه المسارات اللغوية الموثوقة، وهو ما يُوضح في جزء منه أسباب انزواء أصحاب هذا الخطاب، أو ظهوره أو كمونه في حواضنه الإلكترونية المختلفة، والتي تكون في الغالب مرتبطة بحالة استقرار المجتمع المُستهدف من جهة، ومن جهة أخرى بحالة وعي مكونات هذا المجتمع ومستوى قوة منظوماته القيمية والإنسانية، وفي ذلك نقاط نوجزها فيما يلي:

  • أولًا: لا يستشعر المتطرف الأمان إلا وسط حواضن جماعاته أو تنظيماته المنغلقة على ذاتها، والتي يُعد الدخول إليها انخراطًا طوعيًا في مسالب خطاباتها المضللة، لذا فإن كل فكر متطرف هو فكر يدفع دائمًا نحو الانغلاق والانسحاب من كل أشكال التعاطي المنفتح مع الآخر، ما يُفسر سبب رفض أصحابه الدائم لكل القيم الداعية إلى التعايش أو التسامح أو الحوار، إضافة إلى عجزهم المعرفي عن إدراك دلالات مثل هذه القيم أو مقتضياتها.
  • ثانيًا: يدفع إدراك المتطرف أن خطاباته إنما هي خطابات قائمة في الأساس على زيف لغوي مستند على ضلال عقائدي وفكري، إلى رفضه إخضاعها للتفنيد القائم على المعرفة، لذا فإن الوعي بأهمية هذا الدور التفكيكي لمضامين هكذا خطابات يُجنب الوقوع في براثنها، ويقلل من الصراعات التي قد تهدد من ثوابت المجتمعات المُستهدَفة الثقافية والأخلاقية.
  • ثالثًا: إن من أشد ما يخشاه المتطرف هو التفاعل الإنساني الإيجابي الذي يُمكن أن يتحقق في جزء منه عبر مسارات التعليم التي تُثريه عمليات الاطلاع على أطروحاته ومعارفه المتباينة والمختلفة حول العالم، ما يجعلها عنوانًا على غنى المعارف الإنسانية وبالتالي التفاعل مع هذه المعارف والثقافات بما يحبط كل دعوات الخطابات المتطرفة القائمة على الإقصاء والكراهية للآخر والمختلف، ومن هنا تتبدى أهمية بناء مناهج تعليمية قائمة على أساس معارف دينامية حية، لا تسعى إلى التلقين قدر ما تسعى إلى إيقاظ ملكات التفكير فيها، وهو ما يسهم في تجنيب الأجيال من الوقوع في براثن التطرف، ويشكل لديهم إيمانًا يقينيًا بأهمية قيم الانفتاح والتسامح في إثراء عمليات التطور والتقدم.
  • رابعًا: إن الدفع بقيم التنوع الإنساني في مواجهة الأفكار المتطرفة، وتعزيز قيمة وأهمية هذا التنوع أمام الفئات العمرية المختلفة خصوصًا صغار السن منهم من خلال المبادرات والفعاليات المختلفة في هذا الجانب، يكافح إلى حد كبير محاولات الخطابات المتطرفة نشر مضامين مُضللة قائمة على دعوة ضحاياها إلى الانخراط في إستراتيجيات دفاعية وهمية ضد الحضارات المختلفة، ويُفقِد جماعات وتنظيمات تلك الخطابات الكثير من المبررات التي ترتكز عليها في عملياتها الاستقطابية والتجنيدية والتحريضية، كما يُضعف من قدراتها في تكوين أوعيتها اللغوية الزائفة التي توظفها في نشر مضامينها تحت مزاعم عقائدية أو مجتمعية مختلفة.
  • ختامًا: إن الوعي بحيل الخطابات المتطرفة اللغوية والعقائدية والفكرية، وكشف زيفها وإستراتيجياتها الاستقطابية والتجنيدية، يسهم بشكل رئيس في حماية فئات مجتمعية مختلفة خصوصًا صغار السن من الوقوع ضحية لهكذا خطابات، كما أن الوعي بأهمية تعاون الأسرة والمجتمع في تعزيز قيم التكافل والانفتاح والتسامح لدى الفئات العمرية الصغيرة بهما، يرفع من مستوى الإدراك المعرفي للمجتمع في مواجهة محاولات تسلل الجماعات والتنظيمات المتطرفة نحو مكوناته، بل ويعزز من قدرات فئاته المختلفة في التصدي لهذه المحاولات والحفاظ على وحدته واستقراره وتفاعلهم الإيجابي حيال جهود تطويره وتنميته.