يُمكن رسم ورقة هوية للمتطرف تختزل جُل أطيافه الفكرية والعقدية والطائفية التي تُبرز قواسمه المشتركة بعيدًا عن تلك التنويعات التي يحاول أن يُداري بها سلوكياته الإجرامية أو يضفي عليها الكثير من الموثوقية المزيفة، وذلك عبر التركيز على عدد من الملامح نوجز بعضًا منها في النقاط التالية:
• أولًا: داخل كل مشروع متطرف ثمة خطة ثأر ما من جريمة خيالية تترسخ في ذهن ضحاياه تكون منغمسة غالبًا في الكراهية والرغبة في الانتقام حد أن خطأ الآخرين المتوهم بالنسبة لمثل هؤلاء الضحايا، هو بالضبط تقصيرهم في بذل الجهد في تغذية هذه المشاعر العدائية، فمدار انتمائهم أو انفصالهم هو قبل كل شيء الوفاء لتلك الأحقاد التي يرونها ذات أولوية إزاء كل من يحيط بهم، إلى درجة تجعلهم يجرمون مشاعر السلم والمودة في أي مجتمع باعتبارها خيانة لمشاعر الكراهية التي يعتقدونها حد الإيمان المطلق بها في إيديولوجياتهم التي يروجون لها ويدعون إليها.
• ثانيًا: الموثوقية المطلقة التي يؤسسها المتطرف حول قناعات معينة، الأمر الذي يغرقه في تخندق فكري متصلب حد الجنون، ما يحرمه من المعرفة ويجعله ضحية لأشباه المعرفة، لاعتقاده الراسخ بأن ما يحمل من إجابات يمثل بالنسبة له ختم العلم ومنتهى الحقيقة، لذا فجل محاولات تبيان ما يشوب مقالاته من أخطاء ومن تدليسات، هي في اعتقاده محاولة اعتداء على الحق الذي لا مجال إلا للقبول به والإيمان به ككلمة أخيرة في كل ما يعرض من أسئلة ومن قضايا، فلا يقارب وفق هكذا فكر المعرفة بلغة العلم التي تقبل الصواب والخطأ بل بمنطق الاعتقاد الأحادي، ما يدفعه إلى أن يسارع في كل مرة يُواجه فيها باعتراض فكري إلى اللجوء إلى آلية التكفير التي يوقع أحكامها على كل من يقف موقفًا مخالفًا له فيما يجوز فيه الأخذ والرد والاتفاق والاختلاف، من هنا صعوبة الدخول مع المتطرف في أي نوع من التعاطي الفكري، إذ في كل مرة يجر محاوره إلى زاوية الاتهام والضلال والكفر والمروق، ومن ثمة يؤهل الآخر حسب معاييره تلك لأن يكون هدفًا شرعيًا لكراهيته وعنفه.
• ثالثًا: إن كل فكر متطرف ينطلق من إيديولوجيات متقاطبة وحادة، واحدة تدّعي الخير وتعمل على تمثيله في صور مخادعة لإقناع ضحاياها، وأخرى تُمثل الشر المطلق وتضم كل من يخالفه الانتماء الإيديولوجي، فيعتقد ضحية كل هكذا فكر أنه جنديًا بل فارسًا في صفوف جيش النور الموكل به إنقاذ العالم، فيتقمص دور البطل الاستثنائي الذي يخوض حربًا مصيرية، غير أن مشكلة هذا التقاطب هو تبسيطيته المبالغة في النظر إلى العالم حسب هذه الثنائية المغلوطة، ما يجعل المتطرف لا يعي مدى تعقد صورة العالم ومدى التداخل والتشابك بين أوضاعه ومساراته الفكرية المختلفة والمتنوعة.
• رابعًا: يحاول المتطرف الاختباء دائمًا وراء سرديات المقدس ليضفي على طبيعة مشاريعه وأفكاره العدائية هالة من الموثوقية المزورة، فينظر إلى نفسه من خلال مرويات أسطورية يرى بها أنه امتداد لملاحم ضاربة في القدم، وهو وفق هكذا منظور يستكمل خوض معركة قديمة بين الخير والشر، دون أن يضع في الاعتبار أيًا من الخصوصيات السياقية، أو مفعولات متغيرات الزمان والمكان، وهكذا يمكن القول أن ثمن استحضار المقدس في الفكر المتطرف هو دائمًا عملية قفز عشوائي عن مقتضيات الواقع، وافتعال خلط ما بين وقائع لا شيء يجمع بينها، ومحاولة لمداراة الأفعال المدنسة التي يقارفها المتطرف وهو يرفع شعاراته المثالية، ومحاولة انتهازية منه لاستغلال ذاكرة مشتركة داخل الجماعة لأجل ادعاء قيمة رمزية مزيفة ومضللة.
• ختامًا: إن هوية التطرف تعود في غالب الأحيان إلى رباعية هوياتية تتكرر وراء معظم تفاصيله الفكرية الظاهرة، فكل متطرف هو في الأساس شخص منغمس في الكراهية التي تنطلق من وثوقية مزيفة ترتبط بالانفعالات أكثر من ارتباطها بالأفكار، يرتسم العالم من خلالها في ثنائية ضيقة ومتقاطبة وتناظر زائف بين الراهن والماضي، ما يعني أن تفنيد وتفكيك خطاباته تستوجب بالضرورة التركيز على كشف ضلالات مزاعمه وأقنعته التي يحاول دائمًا الاختباء خلفها أوالتسلل عبرها نحو المجتمعات.