اعتدال

Edit Content
  1. الرئيسية
  2. التدريب الجامعي

المرأة حارسة المجتمع ضد التطرف

رغم الظاهر ليست المرأة هي التي توجد في حماية المجتمعات، بل بالأحرى إن المجتمعات بمختلف ثقافاتها وتوجهاتها وأحجامها، هي من يوجد في حماية المرأة، وذلك لسبب بسيط، يكمن في مدى حيوية وخطورة المهام الموكولة إليها، والتي تتعلق بوصايةٍ شبه كاملة على نواة المجتمع الفتية، التي تتشكّل من أطفالها ورُضعها وناشئتها الصغيرة، الذين يدورون في فلك الأمهات ونظرائهنّ من أقارب نساءٍ، ومن مربياتٍ ومعلمات، وكل هذه الكوكبة من النساء الفاضلات اللواتي يقضين سنين طويلة في احتكاك مباشر مع المواطن الصغير في مراحل نموه ونشوئه وتعلمه، في وقتٍ يفتقدُ فيه تمامًا لأي قدرات نقدية، وبالتالي فإنهنّ يطبعنّه بشكلٍ عميق، ويشكلنّ الأرضية الصلبة من القيم والأفكار والملكات الذوقية والفكرية، التي تستند عليها كل مكاسب السنوات اللاحقة، ولهذا فإذا أخلّت المرأة بصيانتها للأساس، فإن ذلك سيُصيب المجتمع في مقتل، ولأننا نرى أن الأمهات والمربيات ينخرطنّ بكل جوارحهنّ في مهام العناية بتربية الأبناء، رغم كل الصعوبات المرتبطة بهذه الحقبة الرقمية المليئة بالطفرات، فهذا يعني أن كل امرأة إلا وهي حارسة وراعية، تحمي عمق حصن المجتمع، وروحه الفتية الداخلية، مُشَكِّلةً بذلك جبهة حماية، لا تقل أهمية وقيمة ومصيرية عن جبهات الحماية القائمة على حراسة الحدود.

ولأن التطرف هو خطر يتربص بأي نقطة هشاشة في المجتمع، كي يهاجمها ويدخل من خلالها حصن المجتمع، في إطار حربه المُعلنة على الوطن والحياة والحضارة والاستقرار، فإنه ينظر إلى المرأة بسبب ذلك كعدو مبدئي، لأنهُ يعلم مسبقًا بأن حائط صد المرأة يُفَوِّتُ عليه الكثير من المكاسب الممكنة، التي لولاها لاستطاع أن يخترق المجتمعات بشكل كامل، فهي من يحمي أبناء الوطن من تشرّب الخطابات العدمية التي ينشرها عبر الفضاءات الرقمية، والقائمة على الإعلاء من قيم التخريب والفوضى والتشدد والعنف، والحال أن أي أم تعلم أبناءها بفطرتها السليمة، العناية بالحياة، ومحبتها، والرُقي بها، والحفاظ على السلامة البدنية، وتجنب المهالك بمختلف ضروبها، فكما لو أن منطق المرأة يتعارض بشكل تلقائي ومطلق مع منطق المتطرف والإرهابي، ولهذا حينما يحدث في حالات نادرة أن تنزلق الأم نفسها إلى جحيم التطرف والإرهاب والعنف، ونراها تفرح لموت أبنائها، أو تُعد أطفالها لكي تقدمهم قربانًا لهلوسات المتطرفين، فإنها تبدو في حالة صادمة، تُثير في من يتابعها مشاعر التقزّز والاستنكار، ذلك لأنها تخالف ما هو طبيعي في الإنسان؛ أي السعي للحفاظ على الصغار ضد المخاطر، وليس المساهمة في إلقائهم في جحيم الموت العنيف. إن المرأة حينما تخون فطرتها الأمومية السليمة، فهي لا تفقد صفة الأم فقط، بل تفقد إنسانيتها بشكل كلي، لتتحوّل إلى مسخٍ مخيف. لكن لحسن الحظ من النادر جدًا أن تطال يد التطرف عقل المرأة أو وجدانها، فهي صمام أمان استقرار المجتمعات ولهذا يظل التطرف ظاهرة هامشية، لم تتمكن أبدًا من الاستوطان في ثقافة المجتمعات، وهذا من المؤكد بفضل جهد النساء في حماية أبنائهنّ والعناية بهم.

لكن رغم هذا التقاطب ما بين طبيعة المرأة وبين عقلية المتطرفين، ورغم العداء الصريح لهؤلاء ضد المرأة التي ينظرون إليها في استرخاص ينم عن طبائعهم الدنيئة وأخلاقهم السمجة، فهذا لا يمنع أن الجماعات المتطرفة لا توفر جهدًا لكي تخترق المجتمع النسوي، محاولة التلاعب به، واستقطابه وتجنيد عناصره، سواء في عمليات تخريبية، على اعتبار أن المرأة تحظى في الغالب باحترام استثنائي يسهل وصولها لأماكن عميقة، أو في تشكيل ما يشبه المجتمع عبر اللجوء إلى زيجات القصد منها توفير أعداد من متطرفي المستقبل، في استعمال لا أخلاقي صارخ وصادم، لمعاني الأسرة والأمومة والأبوة. لهذا من الضروري في مقابل جهد المرأة في حمايتنا، أن نوفر كل متطلبات الحماية لها أيضًا. وفي هذا الصدد إلى ثلاثة محاور أساسية للمرأة:

  • أولًا: لا بد من العناية بالأم، هذا الكائن الذي يحظى في كل ثقافات العالم بالتوقير الأكبر، بحيث يعد التطاول عليه أحد أقصى درجات الدناءة الأخلاقية، والأم هي قبل كل شيء تلك الهالة من الجذب العاطفي التي تجعل أسرة بكاملها تتجمع تحت ظلها العاطفي، وحينما يُمَسُّ أي فرد من أسرتها بسوء، فإنها تظل تنزف بدلًا عنه، كما لو أن جرحَه جرحُها، وموتَه موتُها هي أيضًا. لهذا إن كل فرد تتمكن التنظيمات من اختطافه عبر الاستقطاب والتجنيد، هو ألمٌ مَا في قلب أمٍ مَا، ولهذا علينا حماية أمهاتنا من هذه الجروح، ومضاعفة الجهود كي لا يتمكن أحد من انتزاع إبن من أسرته، فهي قد بذلت جهدها لتحميَّه صغيرًا، وعلى المجتمعات أن تبذل أقصى ما لديها لكي تحميه كبيرًا.
  • ثانيًا: إن الزوجة هي شريك كامل العضوية في تدبير أسرتها، فلا بد أن نمنحها كل الضمانات القانونية والأخلاقية والأمنية لكي تشعر بقيمتها كمواطنة مسؤولة داخل المجتمع. إن تمكين المرأة وجعلها عضوًا فعالًا في بناء تنمية وطنها، يعطيها الكثير من عناصر القوة والاستقلالية، فحينما يتعاون الزوج مع زوجته في إطار من الاحترام المتبادل، فهو لا يصبح وحيدًا، وبالتالي إن محاولة استقطابه تصبح أصعب، لأن حائط الصد بالنسبة لأسرة تساهم فيها زوجة متمكنة يصبح مزدوجًا، ومن ثمة أكثر متانة.
  • ثالثًا: إن المرأة الابنة هي ما ينتظرها الوطن لتكون لبنة بناء، فعلينا أن نحميها من أي شعور بالدونية والنقص، إن اعتدادها بنفسها، هو ما سيؤهلها لأن تكون شخصية مكتملة لا تشعر بأنها خاضع من حيث المبدأ، ومن المؤكد أن خطاب التطرف يقوم على الترويج لقيم الخضوع الحركي البغيض، الذي يصادر من الاتباع كل مقومات إنسانيتهم، فالحال أن فتاةً ترعرعت على قيم احترام الذات، ومُنحت تعليمًا وتربية متينة، ستنظر لا محالة إلى خطاب التطرف بالكثير من الازدراء، فالذي يتربى على قيم الاستقلالية والعقل والكرامة وحب وطنه يصبح عَصِيًّا على الخطاب البئيس للتطرف.
  • ختامًا: لا يسعنا إلا أن نشيد عاليًا بالنساء، فبدونهن كانت حياتنا لتفقد ملامحها الإنسانية، وإننا نعترف بكوننا كمجتمع نتاج رعاية المرأة، التي لها أفضال علينا منذ نعومة أظافرنا، وإن أي عنصر من عناصر قوتنا فيه يد من أيادي النساء الفاضلات. ولأنهن حَمَيْنَنَا ونحن لا نملك حيلة لأنفسنا، فإننا وقد بلغنا نضجنا يجعلنا نعتبر أي تطاول على المرأة، أو تبخيس لها، أو مساس بها من طرف المتطرفين بمختلف أشكالهم هو اعتداء على روح المجتمع، ولهذا فإن دفاعنا عنها هو في العمق دفاع عن روحنا العميقة المتمثلة في الأم والزوجة والابنة.