ثمة فارق كبير بين العلم والمعرفة على الرغم من التشابه بينهما ظاهريًا في الهدف وهو الارتفاع بقيم الإنسان وتشكيل ثقافته ورؤاه حيال الحياة من حوله، إلا أن كلاهما بحاجة ماسة إلى عمق في معرفة دور كل منهما، والآلية التي تستوجب بالضرورة تقديمهما للفرد طوال مراحله العمرية المختلفة وصولًا إلى أن يكون فردًا قادرًا على تحمل مسؤولياته في بناء أسرته وتناغمه مع ما يحيط به من تطور وتفاعله مع هذا التطور بما يعود بالنفع عليه أولًا وعلى مجتمعة ثانيًا، من هنا يتبدى الفارق ما بين الاكتفاء بتلقين الطالب العلم، وبين أهمية إكسابه المعرفة الداعمة لبناء شخصيته الفكرية والعلمية معًا، لذا فالمدرسة هي الحاضنة الأولى والرئيسة لتقديم العلم والمنظومة الإنسانية العميقة لبناء المعرفة على حد سواء، وفي ذلك نقاط نوجزها في التالي:
- أولًا: لا يقتصر دور المدرسة في التعليم فقط بل في التربية التي تعد بمثابة تمهيد إنساني لتوظيف ما يكتسبه الفرد من علوم في بناء منظومات إنسانية مُحصنة وواعية ضد محاولات استقطاب فئة ضد أخرى أو تجنيد طرف لإفشال آخر، أو إلحاق الدمار بمشاريعه وطموحاته حيال مستقبله وتقدمه بمزاعم عقائدية أو طائفية أو إثنية أو سواها، حيث أن هذا الفراغ إن وُجد كان بمثابة النافذة الأولى في تسلل جماعات وتنظيمات الفكر المتطرف إلى المجتمعات، بُغية تقويض تماسكها، وتفتيت وحدتها عبر خطابات تقود حتمًا نحو الصدام وإيجاد بيئة مُهيئة لإشعال الصراع بين مكوناتها، والأمثلة على خطورة هذه الإستراتيجية المُدمرة هي من الوضوح بمكان أن الجميع يدركها ويتلمس آثارها التي ما زالت قائمة في بعض المجتمعات حتى اليوم.
- ثانيًا: المدرسة في كونها هي الجهة الأولى بعد الأسرة في توفير وتشكيل منظومات يتشابك فيها الفرد ربما للمرة الأولى في التفاعل والتواصل مع محيطه، تتطلب وعيًا عميقًا من القائمين عليها بأهمية إدراك دورهم المؤثر ليس في تلقين الطالب مجموعة من العلوم فقط، بل أيضًا في تشكيل وعيه المعرفي الإنساني من جهة تبيان أهمية تمسكه بمنظومة أخلاقية وفكرية قائمة على ضرورة الاعتدال ونبذ الأفكار الإقصائية ورفض الخطابات التي من شأنها إبعاده عن نفسه وعن أسرته ومن ثم محيطه ومجتمعه، وتعزيز ثقافة الاحتواء والتناغم فيما بينه وبين الآخر الذي لا يجب بالضرورة أن يكون متشابهًا معه في اللون أو الجنس أو المعتقد، وأن الحياة تتشكل من مجموعة من التباينات التي ترتبط فيما بينها بجسور من التسامح والقبول.
- ثالثًا: من المهم بل من الضروري التعاطي مع الطالب في مراحله المبكرة وكأنه بناء بشري بحاجة فعلية إلى رعاية فكرية وإنسانية قبل إكسابه العلوم، وهي مسؤولية تتعاضد في القيام بواجباتها كل المكونات الإدارية والتعليمية والاجتماعية في المدرسة، حيث أن اهتمام هذه المنظومة بتوفير وإدراك مسؤوليتها حيال القيام بهذا الواجب يسهم بشكل فعال في إخراج أجيال مؤمنة بإنسانيتها ومؤمنة بحقها وحق الآخر في الحفاظ على كل ما يضمن بقاء هذه المنظومة واستمرارها وعدم تهديدها أو انتزاعها والقضاء عليها بأية مزاعم متطرفة عرقية أو طائفية أو عقائدية أو غيرها.
- ختامًا: إن للمدرسة دور عظيم ومهم في مكافحة التطرف ورفع المستوى المعرفي والعلمي لدى الطالبات والطلاب على حد سواء، وهي مرتكز رئيس في تشكيل ثقافة وسلوك الأجيال الجديدة، ورؤيتهم المستقبلية في بناء طموحاتهم وتطلعاتهم حيال تشكيل وبناء حياتهم الخاصة بل والحياة إجمالًا من حولهم، إضافة إلى إكسابهم العلوم المختلفة، وهي أمانة ينوط بحملها أشخاص قادرون على تلمس هذا الدور وأهميته في تعزيز وحماية الفرد والمجتمع من كل الإيديولوجيات المتطرفة التي تتسلل إلى وعي الفرد وفكره عبر خطابات قائمة في الأساس على توظيف التباينات الطبيعية بين البشر وتحويلها من أدوات بناء وتنمية وتفاعل إيجابي إلى أدوات للتطرف والإرهاب.