المادة الرقمية والفكر المتطرف

تؤثر المادة الرقمية من جانب كونها سهلة الاستهلاك والتفاعل، في تشكيل وعي صغار السن تحديدًا، وهو ما يدفع الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية إلى التغول في صناعتها ونشرها عبر حسابات تحاول التسلل من خلالها إلى منصات التواصل الاجتماعي، بهدف إغراق ضحاياها على تلك المنصات بمشاعر من اليأس والإحباط وفقدان الثقة في أنفسهم من جهة وفي محيطهم من جهة أخرى، وهو ما يُسهل في الأخير من عمليات محاصرتهم في دوائر من العزلة، وإصابتهم بحالة من الانفلات القيمي والسلوكي تقودهم نحو الوقوع في براثن وحيل تلك الجماعات والتنظيمات ومن ثَم استقطابهم وتجنيدهم في صفوفها، وفي ذلك نقاط نوجزها في التالي:
أولًا: تكشف متابعات وتحليل مضامين المواد الرقمية المتطرفة، محاولاتها الدائمة تشويه الوعي والإدراك المعرفي لدى ضحاياها خصوصًا صغار السن منهم، حد تدميرها كل امتداداتهم الحقيقية بالواقع من حولهم، وإيهامهم في بعض الحالات بمشاعر مزيفة من بطولات تعوض ما يعانونه من حالة الإحباط التي أغرقتهم بها تلك المواد، وهو ما يولد حماسة مضللة في نفوس هؤلاء تجعلهم دائمًا في حالة من الانفلات والميل نحو ارتكاب العنف والإرهاب حيال أنفسهم أو حيال أقرب المقربين لهم ، ظنًا أن ذلك هو نوع من أنواع البطولة المنشودة التي كونتها تلك المواد المتطرفة زيفًا في وعيهم.


ثانيًا: تعمد المواد الرقمية المتطرفة تجريد ضحاياها من أدوات اندماجهم في محيطهم العائلي والمجتمعي، لذا حينما يتواطأ مثل هؤلاء ضد من حولهم، فإن بعضهم في الغالب يكون غير مدركًا لمدى فداحة ما يقترفه من جرائم، خصوصًا وأن مضامين تلك المواد تحول دائمًا دون قدرته على فهم الواقع كما هو، من هنا فإن سعيه إلى التدمير والقتل والانتقام وشغفه بنظريات المؤامرة، إنما هو في الواقع نتاج التأثير النفسي لمضامين هكذا مواد في سلوكيات ووعي ضحاياها.


ثالثًا: تحرص الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية في صناعتها لدلالات موادها الرقمية، على تغييب ضحاياها عن الواقع عبر اختلاق هويات متخيلة لهم، وتعمل على أن تكون غارقة في ملامح بطولية مزعومة، عِوضًا عن تجريدهم وإفقادهم قدراتهم على استيعاب واجبات الانتماء الأُسري والمجتمعي، فتزداد لديهم مشاعر الانعزالية، وهو ما يدفع خصوصًا صغار السن منهم إلى قيام بعضهم أحيانًا باغتيال أصولهم العائلية القريبة مثل الأب والأم والإخوة، فيما يتحول عرابو التطرف لديهم إلى ثوابت لا يجدون ما يعيبهم في الدفاع عنها بكل قوة.

رابعًا: تهدف الجماعات والتنظيمات المتطرفة من وراء نشرها لخطاباتها على منصات وحسابات التواصل الاجتماعي، إلى الترويج لأفكار من شأنها إفقاد ضحاياها القدرة على تحديد بوصلتهم النفسية والاجتماعية والتاريخية، حد إصابة مشاعرهم بالارتباك والاضطراب حيال إمكانات تمتعهم بنعم الحياة، أو بالعلاقات الإنسانية السليمة، أو حتى بفهم تحديات الواقع من حولهم، الأمر الذي يجعلهم يعانون دائمًا صراعًا فكريًا داخليًا، يقودهم إلى حالة من الشك حيال مستقبلهم وحيال إمكاناتهم في تحقيق النجاح والتميز في مساراتهم الحياتية المختلفة إن هم ابتعدوا عن الجماعة أو التنظيم الذي انخرطوا في صفوفه وبين عناصره.


ختامًا: إن المواد المتطرفة الرقمية تعمد تشويه الوعي والمدارك المعرفية لضحاياها، ما يؤثر في جانبهم السلوكي والفكري خصوصًا لدى صغار السن منهم، وهو ما يتطلب وعيًا جمعيًا بأهمية إدماج مثل هذه الفئة العمرية تحديدًا في محيط أسرهم، ودفعهم الدائم نحو التفاعل الإيجابي مع مسارات الحياة السوية، وإثراء قدراتهم على رؤية العالم كما هو، لا كما تصوره خيالات وأوهام مثل هكذا مواد وأفكار، وتعزيز ثقتهم في المستقبل والقدرة على النجاح والتميز مهما واجهوا من صعاب وتحديات.