اعتدال

Edit Content
  1. الرئيسية
  2. إضاءات
  3. القيم الإنسانية لقاح ضد الفكر المتطرف

القيم الإنسانية لقاح ضد الفكر المتطرف

لا يعيش التطرّف إلا بقدر ما تموت المشاعر الإنسانية الرفيعة والفطرية، وهذا ما يُفسر في الواقع إصرار خطاب التطرف على بث مشاعر العداء والكراهية بين الناس، حد أن شرط الانتماء إلى تنظيماته هو مناصبة العداء لكل مظاهر الإنسانية في المجتمعات، فيتدرج المتطرّف في مدارج الضغينة إلى أن يصل إلى مستوى التوحش، مفاخرًا بشناعاته الإرهابية التي يراها إنجازًا عظيمًا، وهي في الواقع ارتكاسٌ قيمي وفقدان متعمد للأحاسيس الإنسانية، ما يجعله يعتبر إحداث الرهبة والخوف في القلوب مكسبًا وانتصارًا له، حتى لو استعمل في ذلك أبشع الطرق من قبيل تصوير عمليات جز الرؤوس وإحراق أو إغراق ضحايا تنظيماته دون رحمة أو شفقة، وفي ذلك نقاط عدة من بينها: 

  • أولًا، إن حرص التنظيمات المتطرفة والإرهابية على تبني سلوكيات العنف، هو محاولة من تلك التنظيمات لترسيخ صور الفتن والاضطرابات بين أتباعهم، وإيهامهم أن تبعاتها من سقوط ضحايا إنما هو انتصار و”شفاء للصدور”، إلا أن الوعي وصلابة الفطرة الإنسانية السليمة، هي من القوة والثبات بحيث تبدو جُل تلك المحاولات غير ذات جدوى في اغتيال أنسنة وقيم المجتمعات . 
  • ثانيًا، غالبًا ما تفشل محاولات الخطاب المتطرف في بث الخصومات والأكاذيب داخل المجتمع الواحد، أمام ارتفاع قيم التضامن والتماسك، حيث تنخرط مكونات المجتمع المؤمن بتلك القيم، وبشكل تلقائي في مواجهة هذه الخطابات ورفضها، وهو ما يضطر المتطرف إلى الانزواء تحت جنح الظلام لبث الفتن ونشر الشائعات التي لم تجد يومًا لها أي صدى لدى المجتمعات المتماسكة والصلبة. 
  • ثالثًا، يسعى المتطرف في ظل غياب أمانته العقائدية والفكرية، إلى اقتطاع النصوص الدينية وتزييف تفسيراتها إلى ما يتفق وأهدافه، دافعًا ضحاياه إلى استبدال رسالات الأديان الحقيقية من كونها ضامن لبقاء الإنسان وسلامه وتنميته، ومساعدًا وعونًا له في التعارف على باقي الشعوب، وعمارة محيطه خاصة وباقي مناطق العالم عامة، إلى أن تكون رسالة كراهية وحقد وفتن وعنف وإرهاب ضد كل من يختلف معه. 
  • رابعًا، يدرك أصحاب الخطاب المتطرف أن وجودهم لا يمكن أن يجري في إطار التعايش والتقارب، بل المغالبة والمخاصمة التي ينغمسون بها فقط لزيادة أعداد ضحاياهم، واستغلال ما لدى بعض الفئات خصوصًا صغار السن، لاستقطابهم وتجنيدهم لارتكاب أعمال العنف ضد أنفسهم وضد مجتمعاتهم، تحت مزاعم مضللة يتبناها ويروج لها أمثال هؤلاء، فيما الواقع يكشف زيفهم، وأنهم دائمًا في معزل عن أي ضرر يلحق بضحاياهم.
  • ختامًا، إن الخطاب المتطرف يعمل دائمًا على  تسميم المشاعر الوطنية، إلا أنه يفشل المرة تلو الأخرى في دفع الناس إلى تبني توحشه المقيت، ففي كل مواجهة مع تلك الخطابات، تظهر حالات إنسانية رغم بساطتها إلا أنها توقظ الوجه المشرق للمشاعر البشرية السليمة، التي تفيض منها الأحاسيس الأخلاقية الراقية، وهو ما يمثل سدًا منيعًا أمام انتشار التطرّف، لأننا حينما نقف على ما يكمن في قلوب الناس من ود ومحبة ورحمة وشفقة، نتأكد بأن معركة المتطرفين رغم خطورتها هي خاسرة من الأساس، وذلك كون الفطرة الإنسانية السليمة،  تناقض كل ما يروج له المتطرف من مشاعر مرضية من المستحيل أن تجد لها مكانًا في قلوب وعقول من حافظ على أحاسيسه الإنسانية الطبيعية، ما يحكم على مشروع التطرّف في الأخير بالعزلة والضمور والهزيمة المؤكدة.