الفكر المتطرف والمرأة

يميل المتطرف إلى إقصاء الآخر واختزال الصواب فيما يراه، خصوصًا وأنه لا يملك الآليات التي تسمح له باستيعاب التعدّد والتنوع والاختلاف مٌطلقًا، ومن هنا نجده لا يقبل بوجود معتقدات أخرى غير معتقده، أو تصورات للعالم غير ما يراها من منظوره الإيديولوجي الضيق، وهذا التفكير الأحادي هو ما يجعله ينظر إلى المرأة بالكثير من الانتقاص والريبة، نظرًا لعدم قدرته على الخروج من تمركزه الذي يصوّرها له كما لو أنها خطر قائم على المجتمع، ومن ذلك:

أولًا: يحاول المتطرف أن يرسّخ في الأذهان دائمًا العلاقة الانتقاصية والإقصائية للمرأة، من خلال تلاعبه بالنصوص الدينية، وكذلك عبر محاولاته إلباس السياقات الاجتماعية التي سادت قبل قرون عديدة بصحيح الدين، بينما هي فقط عوائد اجتماعية ارتبطت بعوامل كانت سائدة حينئذ لا بفعل الاختيار، بل بحكم الواقع والضرورات.

ثانيًا: لقد خضعت المرأة قبل قرون عديدة لانتهاكات طالت وجودها وفكرها أو حتى كونها إنسان كامل الأهلية، وذلك نظرًا لأن العالم القديم كان مرتهنًا بتفوق النوع أو الجنس أو اللون في تقييم البشر، غير أن كل المعطيات قد تغيّرت في وقتنا الراهن، ومن الصعب الاستمرار في تبرير التفاوت على أساس النوع بين الذكر والأنثى، فكفاءاتهم العلمية والذهنية التي يكتسبونها على قدم وساق عبر مراحل تعليمهم الطويلة باتت هي الفارق في عمليات التقييم وليس نوع الإنسان ذكرًا كان أم أنثى، لأن هذا التمييز يمثل أحد أهم المداخل المتطرفة لتحجيم صورة المرأة، والسعي إلى تعطيل اندماجها داخل تفاعل الحياة العامة.

ثالثًا: لا يستطيع المتطرف أن يستوعب الحضور العام للمرأة داخل الحياة بصفتها فاعل، حيث تكون في الميادين السياسية والعلمية والتواصلية والتقنية، لأنه يعتقد أن المرأة غير كاملة الأهلية؛ هذا التصور هو ما جعل التطرف في أحد أبشع صوره المتمثلة في تنظيم داعش، يجعل المرأة سلعة للبيع والشراء، بل ويحوّل النساء اللاتي يقعن في يده إما عبر الخطف أو الاستقطاب، إلى أدوات لإستراتيجية التجنيد، التي اعتمدها هذا التنظيم لإغراء المتعاطفين معه، والمتاجرة بالنساء لدى الدواعش في المناطق التي سيطروا عليها، وهو ما يكشف مدى دناءة التطرف في نظرته للمرأة، على اعتبار أن ما فعله هذا التنظيم الإرهابي، ما هو إلا تضخيم أفكار تدعو إليها أبواق الفكر المتطرف ودعاته في كل مكان.

رابعًا: لأجل هزيمة الفكر المتطرف من المهم عدم السماح بامتهان المرأة تحت أي ذريعة، لأن ذلك يمثل تدميرًا ذاتيًا للمجتمعات التي لا يمكن أن تصل إلى حالة الاعتدال والكمال إلا من خلال استيعاب تنوع عناصرها، دونما أي وصم يقوم على الجنس أو العرق أو النوع، كما أن الفكر الذي لا يستطيع تقبل البُعد الأنثوي في خصوصيته، هو فكر عقيم ومتناقض، ذلك لأن التقابل لا يعني بالضرورة التفاضل، بل هو بالأحرى تكامل وتعايش.