اعتدال

Edit Content
  1. الرئيسية
  2. إضاءات
  3. الفكر المتطرف وإستراتيجيات التضليل

الفكر المتطرف وإستراتيجيات التضليل

الفكر المتطرف في غالبه نتاج إستراتيجيات تضليل معقدة تمارسها تنظيمات تعمد تشويه الوعي الجمعي أو الفردي بمزاعم وضلالات عدة، لذا لا شيء عفوي أو تلقائي لدى تلك التنظيمات، خصوصًا وأنها تدرك يقينًا أن ارتباط وجودها وقوتها مرهون بمدى قدرتها الدعائية والإنشائية، ومستوى قدراتها في التسلل نحو المجتمعات لتنفيذ أهدافها، وهي في سبيل ذلك تتبع عدة طرق من بينها:

أولًا: يرتكز فكر التنظيمات المتطرفة على مبدأ التشكيك في كل قاعدة شرعية، لتبدو خطاباتها وكأنها تمتلك حصرًا الطرح الأكثر أصالة وشرعية عن كل ما سواها، محاولة في سبيل تحقيق أهدافها رسم صورة ذهنية مضللة حيال مردودية اتباعها، الحد الذي توغل فيه تلك التنظيمات بوعود تصل إلى الزعم بامتلاكها مفاتيح الحساب، بل وتحديد من يدخل الجنة ومن يصلى عذاب السعير، موظفة في سبيل ذلك خطابات غارقة في الضلال والخطأ، ومشككة في كل من يفند تلك الخطابات أو يكشف زيفها.

ثانيًا: لا يتوانى المتطرف ذاته عن استغلال الأحداث والمناسبات التي تهم المجتمعات التي تكون في دائرة أهدافه، فيعمد إلى تكثيف خطاباته، وتكوين منصات ذات صيغ مختلفة، يبدأ من خلالها في اتباع إستراتيجية قائمة على الانتشار والحضور وتمرير الخطابات التي تقوض من تماسك تلك المجتمعات ووحدتها، في عملية تجنيدية مكثفة، الهدف منها زيادة الأتباع واستقطاب من يمكن توظيفهم في تلك المجتمعات من جهة، ومن جهة أخرى ضمان الحصول على موارد مالية عبر دعوات زائفة للتبرع، بُغية إثراء عوائدهم المالية لإكمال مشاريعهم التدميرية. 

ثالثًا: تسعى تلك التنظيمات إلى تطوير أدواتها بشكل دائم ومستمر كي تتناسب وأهدافها، وتعمد في سبيل ذلك إلى إغراق خطاباتها بالمفردات التي تخاطب مشاعر الفئات المختلفة في المجتمعات خصوصًا صغار السن منهم بشعارات ووعود زائفة وانتصارات وهمية، سعيًا نحو تغيير وتشويه وعي هؤلاء، والدفع بهم ليكونوا في الأخير مجرد أدوات لهدم وتقويض مجتمعاتهم. 

رابعًا: لا يتوقف المتطرف في خطاباته عن تهويل أية صعاب تواجه المجتمعات، الحد الذي يصور تلك الصعاب على أنها كارثية ومهددة لبقاء الحياة على الأرض، هادفًا من وراء ذلك إلى نشر اليأس واغتيال حق الإنسان في الطموح والتطلع نحو المستقبل بإيجابية وثقة في قدرته على المواجهة والبناء، وإزالة أية عقبات قد تعترض تطلعاته نحو عالم أفضل له ولمن حوله.  

ختامًا، إن الجماعات المتطرفة تهدف من وراء اتباعها لكل حيلها ومزاعمها وخطاباتها المضللة، إلى اختطاف وعي مكونات المجتمعات المختلفة، بل وإغراقه في صور ظلامية وأفكار صدامية تدفع بتلك المكونات خصوصًا صغار السن إلى اتباع العنف والإرهاب سبيلًا رئيسًا نحو التعاطي مع العالم من حولها، واستلاب قدراتها ورغباتها في تحقيق أية رؤى أو طموحات مستقبلية تعود عليها وعلى محيطها بالنفع والفائدة، ونشر السلبية فيما بينها وصولًا إلى الحد الذي تفتقد فيه تلك المكونات أية رغبة في الحياة أو البناء، وهو الأمر الخطير الذي يستوجب وعيًا جمعيًا في حتمية مكافحته، بل ومواجهة محاولات التطرف وتنظيماته وجماعاته في تدمير المجتمعات، وتفنيد مزاعمها وكشف ضلالاتها، حماية للأجيال الحالية والمقبلة من مخاطرها.