يتجاوز انغماس المتطرف في أحيانِ كثيرة، أفكاره المغلوطة وتأويلاته المشوهة للنصوص الدينية والوقائع التاريخية، نحو انفعالات مزيفة تتنامى في وعيه لتحد مع الوقت من إدراكه السليم لحقائق الأشياء، وهو ما يمنعه في جل الأوقات من تغيير قناعاته أو تبيِّن ما يوجَّهُ له من نقدٍ أو نصح، وكلما انجر المتطرف إلى الاحتجاب عن الغير المخالف له، كلما زاد شعوره بالاطمئنان الوهمي، وارتفع هوسه بالتمسك والاختباء وسط نظرائه وأشباهه، وهكذا تصبح عملية انفصاله عن جماعته هي قرار من الصعوبة بمكان اتخاذه حتى وإن تبين له خطأ أفكارها، لذا يحرص على تَمثُل أوسامِ معينة يتعرف من خلالها على كل من يوافقه هكذا انفعالات، والتي نوجز بعضًا منها في النقاط التالية:
- أولًا: الوسم اللغوي، حيث يستعمل المتطرفون على وجه التقريب ذات العبارات المسكوكة، يكررونها في تعليقاتهم ونقاشاتهم خاصة داخل المجال الرقمي، لذا يستبقون كل ما لا يشبه لغتهم بعبارات التجريم، لكنهم ما إن يستمعون أو يقرأون نبرة شعاراتهم وجريها الأليف على أسماعهم في أي موقع أو منصة تواصل اجتماعي حتى يلتقون في مزاج انفعالي يتعارض من حيث المبدأ مع كل أسباب الموضوعية الفكرية ومناهجها.
- ثانيًا: الوسم الموضوعاتي، ويتشكل من موضوعات خاصة يعتبرها المتطرفون نقطة تجمعهم، بحيث أنهم كلما صادفوا إشارة إليها، إلا وتراهم يسارعون إلى النقر والإضافة والتعليق، وهي في الغالب ما تعود إلى نظرية المؤامرة التي تتلبسهم وتصور لهم العالم وكأنه مجرد دمى تحركها أيادي خفية تحاربهم هم بالتحديد دون سواهم لكونهم الأعرفُ بحقائق الأمور والأقدر على تغيير الأوضاع فلا يزيدهم ذلك إلا تطرفًا كلما تقاسموا أشباه المعارف هذه.
- ثالثًا: الوسم الفني، ونقصد به طريقتهم الخاصة في إخراج محتوياتهم الرقمية، التي تبالغ في استعمال الشعارات والعبارات الدينية خارج سياقها الحقيقي، حيث تُزاوج الفقاعة الرقمية للمتطرفين بين الطابع التقني المتقدم وبين الصور التقليدية التي تمتح مادتها من التاريخ القديم ومن وجوهٍ تُمثل السمات التقليدية للمجتمع و ذلك ديدن كل المواقع المتطرفة على اختلاف توجهها.
- ختامًا: يمكن القول أن الانفعالات المتطرفة في جل الأحوال هي الأكثر فاعلية في الاستقطاب والتجنيد خاصة وأنها لا تحتاج إلى جهد كبير، بل إنها تنتقل في سهولة انتقال العدوى بين من تضعف مناعتهم، أما الأفكار فهي مجرد غطاء لاحق يحاول أن يضفي على تلك الانفعالات هالة من الفخامة الدينية والبلاغية، تبدو خلالها الفقاعات الرقمية وكأنها حواضن يتشرب فيها المتطرف ما يزيده بُعدًا عن مجتمعه ويدفعه دائمًا نحو العداء والكراهية لكل من ليس معه، لذا فإنه من الأهمية بمكان التعاون معًا لكشف تلك الحواضن وتفنيد مزاعمها ومكافحة محاولاتها في استقطاب ضحايا جدد إليها.