إن من الصعوبة بمكان تفنيد الخطاب المتطرف، دون فهم مضامينه، ومعرفة حقيقة الصورة الذهنية المضللة التي يعمل على إغراق وعي المتلقي بها، واكتشاف الهدف من وراء توقيت انتشاره، ومضمونه، ورسالته التي يعمل على نقلها نحو الآخر.
إنّ مكافحة مثل هذا الخطاب لايمكن أن تكون بمعزل عن إدراك التطورات الحاصلة في كثير من المجتمعات خصوصًا الإسلامية منها، بما يعانيه بعضها من تراجع في أطروحاته الفكرية أو قدراته على دحض مزاعم تلك الخطابات والتي بات يدرك أصحابها يقينًا أن من أهم سبل نجاحهم هو غياب الاستقرار والتشرذم الذي يساعدهم في نشر إيديولوجياتهم العنيفة، التي تتسبب في إحداث مزيد من الارتباك والاضطراب داخل المجتمعات التي يتواجدون بها، وذلك تزامنًا مع أطروحات لبعضهم تروّج لمشاريع إقصائية مليئة بالكثير من الكلمات المشحونة نفسيًا، والاستعارات التعويضية التي تلعب دورًا مركزيًا في البناء الاستدلالي، والبلاغة التعويضية السائدة التي يُغرقون بها خطاباتهم بهدف تمريرها أو قبولها، والتي تقوم في الأساس على ثلاث أوهام موجزة في النقاط التالية:
- أولًا الوهم التاريخي: هي الأكثر شيوعًا في الخطاب المتطرف والذي لا يألو جهدًا لجر أي نقاش نحو سرديات منغمسة في قراءات مغلوطة عن بعض الأحداث في التاريخ، مع تمجيدها حد التقديس أحيانًا على حساب واقع راهن يغرقه الفكر المتطرف بالإدانات، ومن خلال هذا الوهم، يعيش صاحب هذا الفكر حالة من التماهي مع نماذج لا علاقة لها بالواقع وصور مليئة بالمزايدات، خصوصًا وأن العالم لم يتشكل – كما يتوهم المتطرف – بالمعارك وحدها، بل تشكّل بالوعي والمعرفة والعلم أيضًا، وهو ما يجعل أي انتصار في هكذا حالة هو مكسبًا إنسانيًا في المقام الأول، لذا فأغلب المرويات التاريخية التي يروّج لها المتطرفون إنما هي اجتزاء مغلوط، واختلاق خيالي بغرض التعويض لا غير.
- ثانيًا الوهم السيكولوجي: وهو وهم قائم على إغراق ضحية الفكر المتطرف في إحساس دائم بالهوان مقرون بنرجسية استثنائية حيال ذاته، وفي ظل هذه الصور المحبطة ثمة صورة ذهنية وهمية يتم تقديمها للمتطرف تُظهره كحالة خارقة دون سواه، وبهذا عوض أن يسعى إلى تطوير حياته من خلال العلم والوعي والعمل، يَغرق في وهم الادعاء الفصامي كنتيجة حتمية للوهم الذي يخضع له داخل الحاضنة التنظيمية التي تستقبله أول عهده بالانتماء الحركي؛ فيصبح دون أن يدري إنسان يعيش معاناة النرجسية، ويعبّر عن هلوسات وسواسية تجاه الجماعة التي يعيش داخلها مما يمنعه من الاندماج بها، ما يجعل إدراكه المعرفي غائبًا ومشوشًا دائمًا.
- ثالثًا الوهم الاجتماعي: وهو أمر يستحكم في ذهن المتطرف حينما يعتقد أن له مشروعًا اجتماعيًا، رغم أنه في واقع الحال يفتقد لكل مقومات التواصل الاجتماعي الذي يأخذ مبرّر وجوده من قيم التعايش والتسامح وغيرهما من القيم التي يرى العقل المتطرف أنها مجرد خلل إنساني لا أكثر، وعلى العكس من ذلك يعتبر المتطرف نفسه الوحيد الذي يعرف حقيقة الأمور ومنقلباتها وأسرارها وأسبابها وأحكامها وحلولها، لذلك لا يصح في اعتقاده إلا مشروعه القائم على أن كل مختلف معه هو فرد فاقد للمصداقية والفضيلة، وهذا التصوّر الإقصائي يحرمه من القدرة على العمل المشترك، أو فهم حقيقة هذا العمل من الأساس، وبالتالي تتحوّل كل الممارسات المجتمعية في منطقه إلى الإقصاء والتشدد.
- ختامًا: إن من أسباب تشويه الحضور التاريخي والنفسي والسياسي لدى وعي المتطرف هي أوهام أشرنا إلى بعض منها، لذا فإن حماية الفرد والمجتمع من استحكام هذه الأوهام التي يُراد نشرها وترويجها، إنما هي بحاجة إلى مزيد من التعاون لرفع الوعي حيال مخاطرها وأضرارها على الفرد وعلى مجتمعه.