اعتدال

Edit Content
  1. الرئيسية
  2. إضاءات
  3. التطرف والخلط بين السلم والسلام

التطرف والخلط بين السلم والسلام

هناك بعض الكلمات لا يكفي أن نرددها، كي يشهد ذلك على إدراكنا لمعانيها واحترامنا لما تحمله من قيم ومن توصيات، ولعل من أشهر الكلمات تداولًا بين الناس والأدعى لهذا الخلط هما السِّلم والسلام، وهما زوجان لغويان متقاربان، لكن رغم الظاهر لا يغني أحدهما عن الآخر، فالسلم يخص دلالات بعينها ربما تشترك مع السلام في جزء منها، إلا أنها لا تبلور كل ما يوجد في  مفردة السلام من دلالات.

فكلمة السلم سواء بفتح السين أو بكسرها بأن دلالتها ترتبط ضرورة مع حالة الحرب، فهي إنهاء لحالة القتال من خلال عملية صلح معينة، يمكن القول إن السلم هو إحدى لحظات الحرب الطبيعية، وبالتالي إنه إجراء يهم المتحاربين قبل غيرهم، بل هي وسيلة ينبغي أن تنتهي إلى مستقر لها، وهو الصلح والتفاوض والسلم.

على خلاف السلام الذي يتضمن الاستقرار والأمان والتعايش المبدئي والمستمر من حيث المبدأ، وهذا ما يسمح بأن يُفهم بمعزل عن الحرب، كما لو أن افتراض المواجهة التي هي في الغالب حالة طارئة، ليس مطلوباً لأجل إدراك معاني السلام، التي يمكن أن ننظر إليه باعتباره الحالة الأصلية بين بني الإنسان، على عكس السلام الذي هو حالة قائمة بذاتها ولا تحتاج إكراه ولا قتال.

ونوجز في النقاط التالية كيف خلط الجماعات المتطرفة بين السلم والسلام:

  • أولًا: سنجد أنها مهما استعملت من مشتقات عبارات السلام في الظاهر، فهي لا تعبر في الواقع إلا على فكرة السلم، وهذا ما يجعل تصورها للعالم قائم على عقيدة حربية مستحكمة في كل الأنسجة العميقة لأطروحاتهم الإيديولوجية، إنها جماعات مبرمجة لأجل القتال، وفتح جبهات مواجهة على جميع الأصعدة تواجه فيها كل البشرية في سبيل أن ترغمها على السلم، من حيث هو اعتراف بالهزيمة، واستسلام مذل ومهين، وتسليم بالأمر ومقاليده إلى رؤوس هذه التنظيمات الدموية. إن فكر الجماعات المتطرفة قائم على أن الأصل في هذا العالم هو القتال والدمار والفوضى، وأن الواجبات عليها هو التحشيد لهذه المواجهة العدمية التي لا تنتهي، ولا مجال لأي متنفَّس يمكن فيه للمتطرف أن يستوعب فكرة السلام كوضع مستقل عن المواجهات.
  • ثانيًا: لا يستطيع المتطرف أن يستوعب فكرة السلام، لأن أفقه الفكري محصور فيما يُعتبر عرضيًا في تاريخ الأديان؛ إذ ليس هناك من دين إلا وجاء لكي ينقذ البشرية من المواجهات القاتلة، ولكي يحقن الدماء ويدعم الإخاء الإنساني، لكن المتطرف ينشأ على فكرة العدوان، ولهذا تقوم إستراتيجيات التكوين والاستقطاب في كل الجماعات المتطرفة مهما اختلفت جرائمها على إيقاظ الضغائن، وتغذيتها بسرديات مختَلَقة لجعل الكراهية في غليان مستمر.
  • ثالثًا: إن فكرة السلام باعتبارها ذلك الوضع المستقر والمستقل عن المواجهات والعداءات، هي فكرة تشوش على احتدام الانفعالات المتطرفة، ولهذا تجد أن مثل هذه الجماعات المتطرفة لا تألو جهدًا في اتهام كل من يدعم روح السلام هذه بتنويعات قائمة اتهاماتها الجاهزة، رغم أن هذه الروح هي في الواقع ما يمثل قوام الإنسانية، وأساس الحضارة البشرية، التي رغم أن الحروب لم تغادر تاريخها القديم والحديث، إلا أنها مدفوعة بفطرتها إلى السعي نحو استعادة الحالة الأصلية المتمثلة في السلام.
  • ختامًا: ينبغي أن نشجع قيم السلام في تجلياتها الحضارية المتنوعة، على الخصوص بالنسبة للأجيال المقبلة التي ستكون أمام تحديات حضارية كبرى، عليها أن تنخرط فيها بروح العصر، وبعقلية الانفتاح والتعاون.