يرتكز الفكر المتطرف على إستراتيجية عدوانية متعددة الجبهات موغلة في تقويض كل ما يمكنها أن تطاله من قيم إنسانية، ما يتطلب في المقابل وعيًا بأهمية شمولية مواجهته، ووضع إستراتيجيات تحيط بكامل محاولات تنظيماته في التمدد والتسلل داخل المجتمعات، وفي ذلك نقاط عدة نوجزها فيما يلي:
- أولًا: من الأهمية بمكان الاهتمام بصغار السن ووضع البرامج المناسبة لتحصينهم وحمايتهم من مخاطر التطرف عمومًا، خصوصًا وأن تمكن الخطابات المتطرفة من وجدانهم ولغتهم من خلال التسلل نحوهم عبر احتكاكات مباشرة، أو ما يمكن أن يتسرب إلى وعيهم عبر الألعاب الإلكترونية، أو بعض المنصات المزيفة التي تستهدف بإلحاح تغيير قيمهم وسلوكياتهم نحو التشدد والتطرف، قد تُشكل في مرحلة ما حاضنة فكرية تشوه بشكل متعمد رؤيتهم حيال أنفسهم من جهة، وحيال مجتمعهم ودورهم في تنميته ونهضته من جهة أخرى، لذا ينبغي وضع كل ما يشكل وعي هذه الفئة العمرية المهمة محل متابعة دقيقة من الأسرة والمجتمع في آن واحد.
- ثانيًا: إن الاهتمام بمسارات تمكين المرأة، والعناية بها كشريك رئيس في كل المشروعات المجتمعية الكبرى، وتعزيز أدوات اندماجها داخل المجتمع من تعليم وإتاحة فرص لتحسين أوضاعها الاجتماعية، ينمي شعورها بقيمتها الإنسانية والوطنية، وهو ما يصعب على المتطرفين إفقاد المجتمع أحد أهم ركائز استقراره المتمثل في المرأة.
- ثالثًا: من المهم التنبه إلى أن الحرب التضليلية التي تمارس التنظيمات المتطرفة من خلالها نشر محتوياتهم الزائفة على كل المنصات الإلكترونية التي تتواجد بها، تهدف في الأساس إلى تقويض الثقة بين الفرد ومحيطه، وتعطيل روح التعاون وتأجيج المزاج الخصامي والعدائي في المجتمع الواحد، ما يتطلب كشف تلك التنظيمات، ورفع الوعي حيال مخاطر ما تقوم به من ضخ مكثف للمحتويات الزائفة والمضللة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وإبراز أن الهدف الرئيس من هكذا عمليات هو تشتيت المواطن وإفقاده القدرة على الرؤية الصحيحة حيال ذاته ومجتمعه.
- رابعًا: إن التطرف ليس شأن مجتمع دون آخر، بل هو خطر دولي لا يستثني أحدًا من عدائه ومن خططه التدميرية، لذا فإن التنسيق الدولي يعتبر مطلبًا ملحًا لا يمكن أن تستقيم إستراتيجية مواجهة التطرف إلا من خلاله، وهو ما يقتضي تجاوز الادعاءات التي تروج لها خطاباته باعتبار أنه يخوض معركة حول مُثل دينية ترتبط بهذا الدين أو ذاك، حيث أن الصبغة الدينية التي يحاول المتطرفون إضفاءها على مشاريعهم الإجرامية، هي مجرد ظاهرة سطحية لا علاقة لها بعمق ما يدور في أذهانهم أو خططهم من تطرف وإرهاب، لهذا فإن التعاون الدولي ضد هكذا فكر، هو في الحقيقة تعاون ضد الجريمة، وضد خطر حضاري لا علاقة له بالحروب الدينية التي يتعمد هؤلاء التستر خلف شعاراتها.
- ختامًا: إن إستراتيجية مكافحة الفكر المتطرف هي إستراتيجية في مجملها تكاملية، لا تختزل نفسها في عنصر دون آخر، أو جهة دون أخرى، أو تستأثر بها فئة دون غيرها، بل هي جهد مشترك تساهم فيه كل المكونات المجتمعية، وبقدر الوعي بأهمية هذه المشاركات، بقدر نجاح هذه الإستراتيجيات في مواجهة هكذا فكر، وقدرتها في الحفاظ على مكتسبات المجتمعات وقيمها من أية اختراقات أو محاولات لتشويهها أو تهديد لأركانها وثوابتها.