لا يملك المتطرف موقفه الخاص والمستقل إنما هو عادة مزور يتخذ ما لدى الآخرين من مواقف فيعمد إلى تشويهها بتأويلات خاطئة في سبيل تحقيق أجندات تنظيمية إجرامية، وهو بهذا يحاول أن يختطف من الناس قضاياهم، عامدًا الترويج لخطاب منغمس في الكذب والتدليس لإقناعهم بأنه حامل لوائها وقائد معاركها، وما هو في واقع الحال غير مضلل، ينتظر من الآخرين أن يبذلوا جهدًا ليتسرب نحوه ويسطو عليه ويوظفه لصالحه أو لخدمة أهدافه التنظيمية، ككائن طفيلي لا يعيش إلا على هامش وحساب غيره. وفيما يلي نستحضر بإيجاز بعضًا من المعارك التي تغول التطرف في محاولة السطو عليها، وتمرير أجنداته من خلفها، ومنها:
• أولًا: معركة حماية المقدسات الدينية، فمن أكثر مداخل تدليس المتطرفين شيوعًا، التظاهر بأن ما يحدو مشروعهم الإجرامي هو الغيرة على الدين ومقدساته؛ فاستغل عتاة التطرف حساسية الناس الدينية وحسهم الأخلاقي المحافظ، لكي يستعملوا ذلك كمدخل لسرقة القضايا الدينية، والترويج لبضاعتهم الرخيصة الزائفة، فتجدهم يهدرون الدماء ويوزعون أحكام التكفير والتحريم والدعوة للقتل والقتال باستسهال إجرامي مريب، تحت أستار ومزاعم الغيرة الدينية التي يدارون بها تعطشهم للعنف واستخفافهم بأرواح الناس وأموالهم واستقرارهم.
• ثانيًا: المعركة الاجتماعية والاقتصادية التي كثيرًا ما يشتغلها المتطرفون لتأليب كل من يواجه صعوبة في هذا الصدد، لكي يعادي وطنه ويستند إلى شعور عدم رضاه على وضعه المادي مثلًا، لكي يبارك من يقوم بعمليات عدائية تجاه مؤسسات بلاده، وهنا يعتمد التطرف على المقاربات التبسيطية الخاطئة في قراءة وتقديم المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية لضحاياه، ليتمكن من تشجيعهم على ارتكاب الممارسات الخارجة عن القانون، الأمر الذي يساعده في عزلهم عن محيطهم، ليتسنى له تنفيذ مخططاته في تشويه مشاعرهم وأفكارهم.
• ثالثًا، يدعي المتطرف أن الأصل في العلاقة بين الحضارات هي الحرب والمواجهة والعداء، فيجعل من نفسه وصيًا على الآخرين بزعم حماية الأمة -حسب زعمهم- من مخاطر ودسائس الحضارة الكونية على حد زعمه، وهو بهذا يشجع أتباعه على الانكماش الحضاري، ويوجد لديهم إعاقات حقيقية إزاء التفاعل الإيجابي مع العالم، وهذا ما يتولد عنه إحساس بأزمة انتماء، تنتهي في الغالب إلى كراهية وعداء، تسهل استقطاب من يقع فيها إلى الانخراط في عمليات إرهابية، تأخذ شكلًا دمويًا مقيتًا.
• ختامًا، إن المتطرف يوغل في تشويه الحقائق حيال الدين والتنمية والحضارة، ليجد لنفسه مشروعًا يبرر به وجوده؛ وهو في كل ذلك مجرد مخادع، فلا هو بالذي يهتم بالدين حيث أنه مجرد ورقة وأداة تستعمل في تشويه الأديان، ولاهو بالذي يملك مشروعًا تنمويًا، بل على العكس ما من خطر على مصالح الناس الاقتصادية والاجتماعية قدر ما هو الإرهاب وليد التطرف أو ربيبه، ولا هو يدرك دلالة الحضارة الكونية، فتراه يتحدث بما لا يعرف عن الثقافات الأخرى، لذا فمن واجبنا جميعًا ألا نفسح لمثل هؤلاء الفرصة بالحديث باسمنا، سواء دينيًا أو وطنيًا أو حضاريًا، ذلك كون التطرف لا دين ولا وطن ولا حضارة له.