إن أول منافذ التطرف في التسلل نحو الأفئدة هو التضخم المرضي للذات، حيث يميل من له استعداد لاختيار المواقف المتطرفة إلى الشعور بتفوق زائف على الآخرين، وفي هذه الحالة غالبًا ما يحسب المتطرف نفسه أكثر حرصًا على الفضيلة من غيره، فتراه لا يتوقف عن انتقاد الناس في حياتهم اليومية وتجريم اختياراتهم في نوع من الامتلاء بأحاسيس زائفة تُصيِرهُ عند نفسه الناجي الوحيد من الرذيلة الذي ينبغي على كل من حوله أن يخضع لنصائحه الآمرة، وهذه النرجسية التي في الغالب ما تصيب بعض الأحداث في سن المراهقة، إذا لم تعالج في وقتها فإنها تجعل مثل هذه الشخصيات عرضة للاستقطاب، لذا من المهم إدماج صغار السن في مجتمعهم وأسرهم لنمنع بذلك انزلاق البعض منهم نحو جماعات تستغل أي تضخم قد يحدث في ذواتهم، لتجندهم في مشاريع خطرة لا يعي أغلبهم دسائسها إلا بعد فوات الأوان، وفي ذلك نقاط عدة نوجزها فيما يلي:
- أولًا: يعاني المتطرف ارتباكًا ملموسًا في تحديد الفارق بين العنف والبطولة، وهذا ما يجعله يُمجِد كل ما له علاقة بالعنف على أساس أنه وسيلة مشروعة لتطويع كل ما حوله لإيديولوجيته قهرًا، فيقع تحت إغراءات المحتويات الرقمية المتطرفة التي تُعلي من ارتكاب الجرائم على أساس أنها جهاد في سبيل الله، وتُقدم الغدر والخيانة باعتبارهما صفات تليق بالأبطال، فيجعله هذا يُطَبِّع في وعيه مع كل تلك الرذائل التي يمُجُّها طبع الإنسان السوي، فيتمتع بمشاهدة عمليات مروعة لتنظيمات إرهابية، ويُبدي كامل استعداده لتقبل العنف كوسيلة للتعبير، وذلك هو بداية الانزلاق الفعلي نحو الخطر، لأن القاعدة السلوكية الشهيرة تفيد أن من يشاهد ويتابع أمر ما بإعجاب واهتمام، يتحول إعجابه هذا مع مرور الوقت إلى محاولة تطبيق ما أثار إعجابه، وهنا يفسُد خيال متتبعي مثل هذه المحتويات، حيث يصابوا بلوثة العمليات الدموية، فيحرصون على تتبع أخبارها، وتقاسمها فيما بينهم كشواهد على أعمال بطولية ينبغي أن تُحتذى، وهذه الأوهام تجعلهم يتصرفون على شبكات التواصل الاجتماعي كتابعين للجماعات المتطرفة، حتى وهم مجرد متابعين لما ينشرونه على صفحاتهم، فإضافة علامات الإعجاب، ونشر مثل هذه المواد، هي في الواقع خدمة لهذه الجماعات قبل الانتماء الفعلي لها، ومجرد أن ينجر المأخوذ بهذه المحتويات بالنقاشات الجانبية المصاحبة لها، فإنه سرعان ما يمكن أن يتحول بسهولة إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار وتدمير نفسه ومحيطه.
- ثانيًا: مدخل آخر يظهر بالموازاة مع النرجسية، يتمثل في المظلومية المرضية؛ وهذا قانون نفسي حيث أن المبالغة في تضخيم الذات، توقع صاحبها في هذيان الاضطهاد، حيث يرى الشخص الضحية للفكر المتطرف أن الجميع يتربص به، وأن الكل يعاديه وهذا يمنحه نفسية متورمة قابلة لأن تقع ضحية لكل الهلوسات الممكنة، وهو ما تظهره الجماعات المتطرفة في عملياتها الاستقطابية، حيث تنشر قصص مفتعلة تظهر كيف أن الجميع يعمل على محاربتها والنيل منها، وذلك لأنها هي وحدها من يمثل الحقيقة والفضيلة والخير؛ وهذا الخطاب كثيرًا ما ينطلي على من لا يملك جميع المعطيات فيقع ضحية له ليصبح بذلك مؤشرًا على الطابع المرضي لكل من يقع في حبائل التطرف والإرهاب.
- ثالثًا: إن الانعزال والانسحاب من المجتمع هما في الواقع نتيجة للنرجسية المرضية، العدوانية العنيفة، والمظلومية الانتحارية، لأن شخصًا مصابًا بكل هذه الهزات النفسية ويضفي على فشله في الاندماج الاجتماعي نوعًا من القداسة تخفي عنه وضعه المأساوي، فإنه سرعان ما يتحول بالتدريج إلى حياة سرية تجعله فريسة سهلة للوقوع في يد جماعات الفكر المتطرف.
- ختامًا: من الضروري الانتباه إلى أية تحولات في سلوكيات ومعارف صغار السن تحديدًا، ومن المهم أيضًا رفع مستوى الوعي لديهم ودفعهم نحو الانخراط مع محيطهم والتفاعل الإيجابي مع أي نشاط إنساني من حولهم، وإثراء مداركهم حيال زيف مظلوميات الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية، وتعزيز الثقة في قدراتهم وفي ذواتهم وفي واقعهم ومستقبلهم، وذلك حماية لأنفسهم ومجتمعاتهم في آن واحد.