اعتدال

Edit Content
  1. الرئيسية
  2. التدريب الجامعي

استراتيجيات التطرف في نشر المشاعر السلبية

يحتاج التطرف للكثير من المشاعر السلبية كي يتنامى، لأن السلبية هي ما يخلق القابلية لدى الشخصيات الهشة لكي تكون ضحية سهلة لتضليل الخطاب المتطرف، وللتعبئة الاستعدائية ضد المجتمع، ونشر صور سوداوية بئيسة تُجَلِّلُ رؤى من يتبناها، لهذا من السهل الاستنتاج بأن إشاعة الروح الإيجابية داخل المجتمعات، وبناء القدرات المتزنة في تحليل الأوضاع وفهمها، وفي استيعاب المشاريع النمائية في آفاقها القريبة والمتوسطة والبعيدة هو وسيلتنا النافعة في مواجهة التطرف، وهذا ما يستميت دعاة التطرف بأشكالهم ومشاربهم المختلفة، لكي يَحُولُوا دون وقوعه باعتماد استراتيجياتهم التضليلية على شبكات التواصل الاجتماعي.

يمكن القول أن شيوع السعادة والرضى بين الناس يمثل استفزازًا حقيقيًا للشخصيات المتطرفة، بحيث تراهم على جميع المنصات يتصيدون أي حالة فرح أو امتنان لكي يحركوا آلياتهم الكلامية المسكوكة والمكررة، ويدخلوا في دعاوى عنيفة تُدين كلَّ من سوَّلت له نفسه أن ينظر إلى الحياة من زاوية سليمة ومتصالحة مع الواقع، لأن ذلك في رأيهم جزء من مؤامرة خفية تتربص بالناس، وتخادعهم فتصور لهم المغارم مكاسبًا والمضرات أعمالًا صالحة، ووحدهم دون العالمين يتفطنون للخديعة، ولهذا فهم يختارون التشاؤم حين يتفاءل الناس، والبؤس حين يفرحون، وبإصرارهم على التنكر للمشاعر الإيجابية المشتركة داخل المجتمعات، يختارون العزلة الطوعية سواء على المستوى الفكري أو النفسي أو السلوكي،    ويستمرون في تنمية مشاعرهم الحاقدة البئيسة ليس فقط ضد مجتمعهم، بل كذلك ضد الإنسانية دون تمييز،  ويمكن إرجاع استراتيجيات التطرف في تجريم المشاعر الإيجابية إلى التالي:

  • أولًا: استراتيجية التبخيس، وهي من المداخل الماكرة التي تستعملها التنظيمات في إيقاظ المشاعر السلبية لدى أتباعها، فهي تعمل على مقاربة كل التحديات في تبسيطية تكشف مدى المحدودية المعرفية وسوء النية التي تقف وراء خطابهم، حيث يرسخون في أذهان أتباعهم أن كل المشاكل الكبرى للبشرية في المتناول حلها، وأن كل ما يُبذل من طرف المعنيين بمثل هذه الملفات لا يساوي شيئًا، أو هو في كل الأحوال غير مناسب ولا نافع في إيجاد الحلول، وهذه الاستراتيجية القائمة على الجهل المتعالِم، هي ما يغذي أغلب الخطابات المتطرفة المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي، بحيث تخلق جَرَاءَةً مستفزة لدى أتباعهم، تمنعهم من فهم المجهودات الحقيقية المبذولة في مواجهة التحديات، مما يمنعهم من الثقة والشعورالإيجابي تجاه المشاريع المجتمعية والتنموية.
  • ثانيًا: استراتيجية التيئيس؛ ذلك لأن اليأس هو التربة الخصبة للمشاعر السلبية، وبالتالي فبقدر انتصاره على المشاعر الإنسانية، إلا ويكون المرء مستعدًا نفسيًا وفكريًا لتبني المشاريع العدمية، التي لا تحمل حلًا لأي من الصعوبات التي يواجهها الشخص، لكنها تكون فرصة لتفريغ الهوس النفسي بالسوداويات والبكائيات والمظلوميات، وهكذا تصبح السرديات المأساوية منطقًا مستحكمًا في كل الخطاب المتطرف، خصوصًا حينما يختلط بالوساوس والنهايات الكارثية للعالم، حينئذ يصبح الإعلاء من قيم الموت هو الطرح الوحيد لكل من وقع في فخ التطرف؛ لأن هذه الاستراتيجية لما تُقنع أتباعها بأن الحياة مستحيلة، والفرح والسعادة شُبهة، وأن الاجتهاد والعمل جهدًا لا جدوى منه، فحينئذ لا يبقى إلا الموت اختيارًا، ولهذا حينما يُرسل دعاة التطرف أبناء الآخرين إلى لقاء حتفهم وتدمير بلدانهم، فهذا لا يأتي دفعة واحدة، بل يتولد عن نفَس طويل من خطاب التيئيس الذي يدمر مشاعر الأمل لدى أتباعهم في مكر وإصرار.
  • ثالثًا: استراتيجية التدليس، وهي قائمة على عقلية التزوير السائدة في خطاب التطرف، نظرًا لأنه خطاب متلون مخادع، لهذا نجده يُدلس على الدين نصوصه، حينما يسرق النصوص المُقدسة لدى أتباعها، فيخرجها عن سياقها كي يؤسس اختياراته العدمية على أساس ديني، ونفس الفعل يقوم به مع الأحداث التاريخية التي يختلقها أحيانًا أو يخلطها أحيانًا أخرى، لكي يُثبت أن لقوله مبررات في تاريخ المجتمعات، ولا يفلت منه العلم أيضًا، فتراه يخلق قراءات مغلوطة لنتائج العلماء، ويبني انطلاقًا منها أحكامًا لا علاقة لها بحقيقة القول العلمي.
  • ختامًا: لا ينبغي إذن السماح للمتطرفين بتسميم العقول والأفئدة في سبيل منع الناس من الامتلاء بالمشاعر الإيجابية، التي تُعَدُّ السعادة والفرح تتويجًا لها في حياتهم، فهي تستفز خطاب التطرف وتوقظ فيه الرغبة في إعمال استراتيجياته القاتلة المدمرة، لهذا يلزمنا أن نقاوم التبخيس بالفهم وبالثقة، والتيئيس بالتفاؤل والعمل، والتدليس بالتبين والتمحيص والنقد، لكن قبل كل شيء أن نحمي سعادتنا الفردية والجماعية بالمزيد من الأفكار والمشاعر الإيجابية.